أصداء وآراء

حلوى (المارشميلو) وصيام الأطفال!!..

 

الكاتب/ د . محمد بن ناصر الصوافي

 

 

حلوى (المارشميلو) وصيام الأطفال!!..

 

من أشهر التجارب في علم النفس التجربة التي قام البروفوسور “والتر ميشل” من جامعة ستانفورد والتي أُجريت في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات على “600” طفل، وتدعى تجربة “المارشميلو”، فما قصة هذه التجربة ؟ وما الهدف منها ؟ وما علاقتها بصوم أبنائنا لشهر رمضان الفضيل ؟.

التجربة باختصار :

عُرض على كلّ طفل على حده، قطعة حلوى من نوع المارشميلو (الخطمي) الشهيرة، ذات اللون الزاهي والملمس الإسفنجي، بطريقة مغرية يسيل لعاب الأطفال عند رؤيتها، علمًا أن أعمارهم تراوحت بين ٤ سنوات إلى ٦ سنوات.

وكان كل طفل أمام خيارين – أحلاهما مر كما يقال – إما أن يختار أخذ قطعة واحدةٍ فوراً، أو أخذ قطعتين بعد ربع ساعة إذا امتنع عن أخذ القطعة الأولى، يعني : “قطعةً واحدةً الآن أو قطعتين لاحقًا”!!.

وكانت النتيجة أن قليلين فقط هم الذين رضوا بقطعةٍ واحدة في البداية، إذ آثر أغلب الأطفال الصبر والانتظار، فَمَنْ هو الذي لا يُريد الحصول على قطعة مضاعفة ؟!، لكن المفاجأة الكبرى في نهاية المطاف أن ثلث هؤلاء الأطفال فقط نجحوا في الانتظار لمدة ربع ساعة، ونالوا الجائزة العظمى وهي : القطعة الثانية من حلوى المارشيملو اللذيذة، وأما الباقون وهم النسبة الأعلى استسلموا بعد دقائق معدودات من عرض القطعة الأولى عليهم ولم يقاوموا شكلها المغري والتهموها.

ولقد قامت هذه التجربة المثيرة للاهتمام على فرضية هي : “أنه توجد علاقة بين قدرة تحمل الطفل لمثل هذا النوع من الإغراءات والاختبارات، والنجاح اللاحق مستقبلًا في الحياة العملية والتحصيل العلمي”.

وقد خلصت هذه الدراسة التي استمرت لسنوات طويلة عن طريق تتبع حياة أفراد عينة الدراسة : إلى أن الأطفال الذين انتظروا المدة المدروسة خلال التجربة، حصلوا على نتائج دراسية أفضل من أقرانهم، بالإضافة إلى أشكال مختلفة من النجاح مثل : علاقات اجتماعية حميمة، وحياة صحية أفضل.

 الهدف من التجربة :

 بالرجوع إلى المراجع المختلفة وجدنا أن أهداف هذه التجربة جاءت تحت عدة مسميات وعناوين منها : الصبر، تأجيل المتعة، ومقاومة الإغراء، السيطرة على النفس.

لحظة.. لحظة.. أليست هذه الأهداف من ضمن أهداف الصيام، الذي يعلمنا الصبر ومقاومة الإغراءات المختلفة ؟؟، ويبصرنا بالسيطرة على النفس الأمارة بالسوء، وتأجيل متعتها الآنية إلى وقت آخر؟.

نعم.. يُؤجِّل المتعة والفرحة إلى وقت آخر، فللصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وهي فرحة عاجلة دنيوية قد تتكرر كل يوم يصوم فيه، وفرحة عظمى عند لقاء الرحمن الذي يجزي بالإحسان إحسانًا، وبالصبر نجاةً وغفرانًا.

نصائح تساعد أبناءنا على صيام أيام هذا الشهر الفضيل :

 إذا بلغ الطفل السن المناسب للصيام، فهناك بعض الطرق والوسائل التي تساعده على صيام هذا الشهر الفضيل في سن مبكر منها :

1- التدرج في تدريب الطفل وتعويده على الصيام دون إلزام، فيمكن أن يصوم في البداية جزءًا من النهار أو إلى أذان العصر، ويكون ذلك بالترغيب والتحبيب، ويمكن أن يكون الصيام أولاً عن الطعام فقط، ثم عن الشراب.

2- تثقيف الطفل وتبصيره بصيام الشهر الفضيل والحكمة من مشروعيته، كأن نقول له مثلًا: إن الصيام يجعل المسلم أقوى إرادةً وضبطًا للنفس، وأكثر تحكماً في رغباته، كما أنه يقوي استشعارنا بوجود المولى ومراقبته في السر والعلن.

3- المكافأة وسيلة تربوية، يمكن أن تقدم للطفل بعد صومه ليوم كامل أو جزء منه يُتفق عليها، فهي وسيلة تشجع الطفل على الصيام، وتكون هذه المكافأة من النوع الذي يحيه الطفل كالحلويات مثلًا، ولكن يجب عدم الإفراط في تقديم المكافآت.

4- يجب أن تتضمن وجبة الإفطار طعاماً شَهِيًّامحببًا للطفل، وَصِحِّيًّا ومتنوعًا في الوقت ذاته، فهي اللحظة الحاسمة التي يخفق قلب الطفل طربًا وشوقًا إليها، وهي الفرحة الأولى كما قال المصطفى عليه الصلاة السلام.

5- الإكثار من تناول الماء والسوائل طوال وقت الإفطار من أذان المغرب وحتى وجبة السحور؛ لكي يعوض الجسم النقص في السوائل، وحتى لا يصاب بالجفاف.

6- إذا عانى الطفل من الإرهاق الشديد خلال فترة الصيام؛ فمن الأفضل تخيره إن أراد الإفطار، بل وإجباره على الإفطار إذا كان هناك خطر بينٌ على صحته، حتى لا يرتبط الصيام لديه بالمشقة الشديدة فيتحول صيام الشهر الفضيل إلى “خبره منفرة”.

وأختم هذا المقال ببعض الأخطاء التي قد نرتكبها في حق أبنائنا والتي قد تؤثر سلبا ًفي دافعيتهم ورغبتهم في الصيام منها : غياب الهدف أو الحكمة من الصيام لدى الطفل، ومنها إجباره على الصوم وهو لا يتحمله، فهذا الخطأ قد يقود إلى ما هو أشد من الإضرار بصحة الطفل، وتنفيره من الصيام، فيدفع الطفل إلى الكذب لكيلا يصوم أو يأكل رمضان سرًا، ومن الأخطاء أيضًا إهمال التغذية المناسبة والصحية والمتنوعة للطفل، أو عدم تنبيهه إلى تناول الماء والسوائل إبان فترة فطره بكمية كافية، ومن الأخطاء أن يترك الطفل يقضي سحابة نهاره في النوم، فهذا لا يحقق الحكمة من الصوم، بل ينبغي إشغاله بالمفيد والذي لا يشق عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى