ثقافة وأدب

على حافة الطريق..

ياسمين عبدالمحسن إبراهيم

المدير التنفيذي لشركة رواق الابتكار
مدربة في مجال اكتشاف وتطوير المهارات
مهتمة بمجال تطوير الأعمال

 

كأنك تسير في ممرّ ضيقٍ بين جبلين، يثقل ظهرك صمت الصديق الذي لم يفهمك، وتتعثر قدماك بحجارة الأسئلة التي لم تجد لها جوابًا. الطريق ممتد، لا ينتهي، كخيطٍ مشدود بين الغياب والحضور. والنفس، تلك الرفيقة الماكرة، لا تكف عن الهمس، تارةً تغريك بالسراب، وتارةً تجرّك إلى هاويةٍ بلا قرار.

يخيَّل إليك أن الزاد قد خانك قبل أوانه، وأنك عالق في صحراءٍ بلا ظل. ترفع رأسك إلى السماء فلا تجد غير غيمٍ عابر، وتخفض بصرك إلى الأرض فلا ترى سوى آثار قدميك، تبتعد عنك شيئًا فشيئًا كأنها تخصّ غريبًا آخر.

لكن أليس التعب في جوهره علامة على أنك حيّ؟ أليست الغربة طريقًا آخر للمعرفة؟ إن الجراح التي نخفيها تحت ثيابنا ما هي إلا دروسٌ مكتوبة بلغةٍ لا يفك رموزها إلا القلب الصابر. كل عثرةٍ على الطريق ليست عدوًّا، بل معلّم يتخفّى.

إنك حين تفكر في الرحيل، لا تبحث عن مكانٍ جديد بقدر ما تبحث عن نفسك التي غابت في الزحام. وربما، حين تصل إلى أقصى حدود التيه، ستكتشف أن الوطن الحقيقي لم يكن خارجك يومًا، بل كان يسكن في صدرك كنبعٍ صامت ينتظر لحظة الانبجاس.

فامضِ أيها المسافر، فالتعب لا يقتلك، بل يطهّرك. دع الطريق يختبرك، ودع الغياب يصوغك، فما وُجدت لتبقى عالقًا عند أول عثرة. سيأتي يومٌ تفهم فيه أن كل خطوةٍ متعبة كانت جسرًا خفيًا نحو نفسك التي تنتظرك هناك، على الضفة الأخرى من الطريق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى