ثقافة وأدب

الطريق الذي تختاره..

ياسمين عبدالمحسن إبراهيم

المدير التنفيذي لشركة رواق الابتكار
مدربة في مجال اكتشاف وتطوير المهارات
مهتمة بمجال تطوير الأعمال

 

حين تتهيأ للذهاب إلى مكان جديد، فإنك لا تختار مجرد وسيلة للوصول، بل تختار صورةً عن نفسك. هل تفتح الخريطة كأنك تستسلم لحكمة مرسومة سلفًا؟ أم تستند إلى كلمات من سبقوك كأنك توثق خطواتك بذاكرة الآخرين؟ أم تسأل العابرين، لتجعل الطريق حوارًا بينك وبين الغرباء؟ أم تبحث مسبقًا عن كل المسارات لتدخل الرحلة مسلحًا بالمعرفة؟

كل اختيار هو مرآة صغيرة، تعكس كيف تواجه الحياة ذاتها: هل تفضل الأمان في الترتيب، أم تثق بالصدفة، أم تسعى لتملك احتمالاتها كلها؟

لكن ماذا لو انقطع الإنترنت، وغاب الناس، وساد الصمت؟ هنا يتجلى الإنسان على حقيقته. قد تتوقف في انتظار يدٍ تمتد، أو تعود أدراجك حيث البداية، أو تمضي متأملًا أن الطريق يكشف عن نفسه كلما تقدمت. اللحظة التي تنقطع فيها وسائل المساعدة هي اللحظة التي يتحدث فيها قلبك بصوت أعلى من كل خريطة.

الطريق في ذاته لا يتغير، إنما عينك هي التي تصفه. قد تسميه مشمسًا إن كنت تملك روحًا رائقة، أو صعبًا إن كنت مثقلًا بالهموم، أو ممتعًا إن كنت تبحث عن المغامرة، أو اكتشافًا جديدًا إن كنت عاشقًا للدهشة. الحياة لا تمنحك تعريفها، أنت من يمنحها اسمها.

الطريق ليس حجارةً وإسفلتًا فحسب، بل هو مسرحٌ تُمتحن فيه حقيقتك. حين تسير فيه، يفضح صبرك أو عجلك، يختبر قدرتك على التوازن بين النظام والحرية، بين الفوضى والالتزام.

الطريق لا يسألك عمّا تملك من معرفة، بل يكشف ما تختزن من وعي؛ فكما تحترم ممراته تحترم حدودك، وكما تُنصت لضوضائه تُنصت لأصواتك الداخلية. إنه مرآة لا تعكس ملامحك، بل تعكس أخلاقك، صبرك، ودرجة انسجامك مع الحياة.

الحياة ليست سوى شارع طويل. قد تتعثر، قد تضل، قد تجد لافتات مضللة، لكنك في النهاية تظل أنت، والطريق يظل مرآتك. لا تنظر فقط إلى الاتجاهات، بل إلى ردود أفعالك: كيف تصبر، كيف تحلم، كيف تنهض.

الحياة طريق ممتد، قد تضل فيه حينًا وتستقيم حينًا، لكنها تظل مرآتك؛ فإن رأيتها نورًا أضاءت خطاك، وإن تعثرت فسر بثقة، فالعبرة ليست بضياعك، بل بقدرتك على المضيّ قدمًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى