
حين يغيب الصوت.. يسمعه القلب
فؤاد شمص
في لحظةٍ ما، وأنت تمشي في دروب الحياة منشغلاً، قد لا تدرك قيمة الأشياء التي ترافقك بصمت… لا تلمع، لا تطلب، لا تشتكي… لكنها تمنحك الكثير. كأنها الهواء، أو كصوتك الذي يرافقك منذ الطفولة… لا تفكر فيه، لكنه هناك، يمنحك معنى… ويمنح الآخرين في حضورك إحساساً خفياً لا يفسر.
لكن الفقد؟ آه من الفقد…
فقط حين يغيب هذا الشيء الذي ألفته، تبدأ تشعر بفراغه المؤلم.
الصوت؟ لا، ليس مجرد نغمة تخرج من الفم.
الصوت روحك حين تُلبِسها الكلمات.
هو حضورك حين لا يُرى منك سوى ظلّك.
هو إحساسك، وهويتك، وتوقيعك الذي لا يُقلَّد.
يا من وهبك الله صوتًا، لا تتعامل معه كأنه مُسلَّم لا يُمس.
ولا تظن أن الإحساس يأتيك كيفما تشاء.
ولا تظن أن الأداء سيبقى قويًّا فقط لأنك وُلِدت بصوت جميل.
الصوت يُصاب بالوَهَن،
الإحساس يبهت،
والأداء يضيع في زحمة الحياة،
إن لم تكن وفيًّا لهم.
إن لم تحترمهم.
إن لم تتدرّب، وتتطوّر، وتحرص.
تخيّل مؤديًا صوتيًا يفقد صوته فجأة…
لن يسمع العالم صداه، لكن سيبكي داخله صمتًا،
وسيعرف حينها فقط كم كان صوته يعني له…
وسيكتشف كم كان الإحساس الذي كان يبثّه في الجمل نعمة لا تعوّض.
المؤدي الحقيقي لا ينتظر الفقد ليعرف القيمة.
بل يعيش كل يوم كأنه اليوم الأخير الذي سيُمنح فيه هذا الصوت.
يُدرّبه، يحنو عليه، يحميه من الإهمال، ويطعمه من ثقافة الأداء وجمال اللغة،
يعلّمه التواضع، ويهذّبه بالإنصات، ويصقله بالتجربة والخطأ.
أيها المؤدي، لا تسمح للزمن أن يأخذك غافلًا.
لا تنتظر أن يبهت صوتك لتشتاق إليه،
ولا أن تفقد إحساسك لتدرك كم كان يمنحك الحياة.
ابدأ اليوم…
نظّف قلبك، واسعَ بصوتك، واهمس بإحساسك،
واعلم أن كل جملة تؤديها… قد تكون آخر ما تتركه للعالم.
فاجعلها خالدة.
واجعل من صوتك أثرًا… لا يُنسى.
لأن الصوت… لا يُعرف وزنه الحقيقي، إلا حين يسكت














