
نصر الصمود لا نصر الأرقام
أحمد الفقيه العجيلي
“في ظل الجدل حول نتائج الهدنة وقراءة مشهد ما بعد الحرب، يبرز السؤال الجوهري : هل ما جرى في غزة نصر أم عبء؟ بين لغة الأرقام وميزان الكرامة، تتكشف دلالات عميقة لا يمكن حجبها خلف الدمار”.
بعد عامين من اندلاع “طوفان الأقصى”، لا يزال الجدل قائمًاً : هل ما حدث نصر أم عبء على غزة؟ بين من يقيس النصر بعدد الضحايا والدمار، ومن يقرأه في ميزان الإرادة والكرامة، تتضح الحقيقة أكثر لمن ينظر إلى الصورة الكاملة.
لقد أعلن نتنياهو أنه سيقضي على حماس ويمحو غزة من الخريطة، لكنه انتهى إلى هدنةٍ مكرهًا بعد أن عجز عن تحقيق أهدافه. جلوسه إلى طاولة التفاوض اعترافٌ ضمني بفشل العدوان، ودليل على أن المقاومة استطاعت أن تفرض وجودها رغم الحصار والإبادة.
صحيح أن غزة دفعت ثمنًا باهظًا بالأرواح والممتلكات، لكن الثمن لا يُلغي المعنى، ولا يُحجب الحقيقة الكبرى: أن الفكرة بقيت، والسلاح لم يُنزع، والكرامة لم تُكسر. في قاموس الشعوب المقاومة، النصر ليس بعدد الأبراج المهدّمة، بل بقدرة أصحاب الحق على البقاء مرفوعي الرأس رغم الألم.
الهدنة الجارية ليست منحة من أحد، بل نتيجة صمود أسطوري جعل العالم كله يشهد على قوة الإرادة الفلسطينية. لكنها هدنةٌ قابلة للنكث في أي لحظة، ما لم تُحمَ بوعيٍ سياسي وموقفٍ عربي وإسلامي واضح يضمن ألا تتحول إلى استراحة للعدو قبل جولةٍ جديدة.
خسائر إسرائيل في هذه الحرب لا تُقاس فقط بعدد القتلى أو الدبابات المدمّرة، بل في انكسار صورتها الردعية، وتراجع مكانتها السياسية، وتفكك جبهتها الداخلية.
لقد خرجت من الحرب مثخنة بالجراح، مطعونة في كبريائها، ومكشوفة أمام شعوبٍ لم تعد تخافها كما كانت.
إن ما جرى في غزة ليس نصرًا ميدانيًا خالصًا، ولا هزيمة كما يروّج البعض، بل تحوّلٌ في الوعي والموازين.
فحين تفشل آلة الحرب في كسر شعبٍ محاصر، وحين يتحول الركام إلى منبرٍ للحق، فذلك هو النصر الذي لا يُقاس بالأرقام، بل يُكتب في الذاكرة الجماعية للأمة.
{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
(آل عمران: 139)