بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

روسيا والكيفية التي واجهت بها العقوبات الغربية والأمريكية..

وافـي الـجـرادي

صحفي ومحلّل اقـتـصادي يمني

 

روسيا والكيفية التي واجهت بها العقوبات الغربية والأمريكية..

 

أصبحت العقوبات الاقتصادية أحد أهم الأسلحة التي كثيراً ما تلجأ إليها بعض الدول، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، لفرض إرادتها على دول أخرى ترى أنها تنتهج سياسات تضر بمصالحها الخاصة، أمنية كانت أم سياسية أم اقتصادية، ولإجبارها على تبني سياسات أكثر اتساقاً مع هذه المصالح.

ففي بداية الغزو الروسي لأكرانيا لجأت الولايات المتحدة الامريكية لفرض عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا منها حظر التعامل مع البنك المركزي الروسي وتجميد الاصول السيادية الروسية وعزلها عن النظام المالي العالمي الخاص بالتحويلات الماليه العالمية.

يمكن التأكيد أن العقوبات الاقتصادية التي تفرض خارج إطار مجلس الأمن تعد غير مشروعة، وتنطوي على انتهاك صارخ للقانون الدولي والشرعية الدولية. ولا يجوز التعلل هنا بحقّ الدول في فرض هذه العقوبات استناداً إلى مفهوم السيادة، فسيادة الدول ليست مطلقة، إنما هي مقيدة دائماً بما تفرضه قواعد القانون الدولي المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وبمتطلبات الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وخصوصاً أمن الشعوب والمجتمعات.

إذا ما نحّينا الجانب القانوني جانباً، وحاولنا تمحيص هذه المسألة من منظور سياسي، فسنجد أنَّ لجوء الدول إلى العقوبات الاقتصادية، كسلاح لتحقيق أهداف سياسية، من شأنه إحداث فوضى هائلة في مجرى العلاقات الدولية، فهو، من ناحية، سلاح غير قابل للاستخدام إلا من جانب الدول القوية وحدها، لأنَّ الدول الضعيفة سياسياً وعسكرياً لا تستطيع من الناحية العملية، ولا تجرؤ على استخدام العقوبات الاقتصادية كسلاح من أجل تحقيق أغراض سياسية، وإلا تعرضت بسهولة لردود انتقامية مبررة ومكلفة من جانب الدول الأقوى منها.

فور انطلاق العمليات العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية إنهار الروبل الروسي إلى أدنى مستوى له منذ 7 سنوات ومعه خسرت السوق المالية الروسية قرابة 200 مليار دولار لكن بوجود ما اسميه بعقلية “إدارة الأزمات” لدى دولة روسيا اتخذ بوتين حزمة اجراءات للحفاظ على قيمة العملة منها منع تحويل الاموال الى خارج البلاد ورفع البنك المركزي الروسي سعر الفايده الى 20% من 9.5% سابقاً الامر الذي حافظ على تدفق المزيد من الاموال في البنوك وعززها بالسيولة الكافية ايضاً تم إجبار جهات التصدير ان تحوّل الى الروبل 80% من العايدات التي تلقتها بالعملات الصعبة وهذا الاجراء تم اتخاذه قبل العملية العسكرية بشهر ما ساعد في تحسن سعر صرف الروبل.

إن الخطوات التي اتخذتها روسيا بعد انهيار الروبل ووصوله الى 150 روبل للدولار الواحد في اول اسبوع من بدء العملية العسكرية لهي صمام آمان الاقتصاد الروسي، ف لكي تدمر بلداً ما لست بحاجة الى عتاد عسكري هائل وقوة بشرية ضخمة فقط أنت بحاجة الى تبني عقوبات تجعل من قيمة عملة البلد المراد تدميرة في ادنى مستوياتها حينها سترى ارتفاع الاسعار وهروب رؤوس الاموال وغليان وغضب مجتمعي وعندئذٍ تنهار الدولة ومقوماتها وتتمكن من تحقيق ما تريدة وبلا تضحيات مادية وبشرية لكن هذا الامر متعلق بدول يفشل صناع القرار فيها من ادارة ازماتهم وبطرق ناجحة ورصينة.

قرابة مليار دولار امريكي تجنيه موسكو يومياً من مبيعات النفط والغاز أي ان اجمالي ما تجنيه في الشهر يصل لقرابة 30 مليار دولار وهذا المبلغ ب امكان الروس توظيفه في الانفاق العسكري وتحفيز الاقتصاد والتخفيف من المديونية 45% من اجمالي صادرات الغاز الروسي و30% من اجمالي صادرات النفط الروسي كانت تذهب للاتحاد الاوروبي ولامريكا ما يعني ان قرار حظر واردات الطاقة الروسية من قبل الولايات المتحدة ودول الاتحاد ستقوّض قدرات الاقتصاد الروسي المعتمد اساساً على الطاقة إلا أن هذا لم يحدث ف روسيا ومنذ عقود طويلة تواجه شتى انواع العقوبات الامريكية يبدو أنها اكتسبت خبرة واسعه في التحايل على العقوبات والالتفاف عليها وكما تشير بيانات الاقتصاد الروسي فإن عائدات الطاقة في تزايد لم يكن من قبل ما يؤكد أن الروس ينقلون النفط عبر سفن لعرض البحر ومنها يتم خلطه وبيعه لتجار حول العالم ، وحتى وإن باعت النفط بسعر منخفض فهي تكسب كثيراً نظراً لزياده اسعار الطاقة.

الغريب في الأمر ان اجمالي مشتريات الاتحاد الاروبي من النفط والغاز الروسي بلغ 44 مليار يورو خلال شهرين مقارنة بنحو 140 مليار يورو لعام 2021 ما يعني أن طلب دول الاتحاد الاوربي على الطاقة الروسي لازال عالياً.

الولايات المتحدة والدول الاوربية تزعم انه ب امكانها ان تسحق الاقتصاد الروسي من خلال تبنيها لحزم العقوبات الاشد، ارادو قطع شريان الاقتصاد الروسي وتدميره وانهاكه، ارادو ان ياتي الحل للقظاء على بوتين وطيّ نظامه من الشعب الروسي والذي لولا الارادة والقيادة والتخطيط الاستراتيجي لمواجهة العقوبات الغربية والامريكية لرأينا جنود ومدرعات القوى الغربية والامريكية في شوارع واحياء موسكو العاصمة.. في الحقيقة لقد اوقعَ الأمريكان والغرب أنفسهم في جحيم المعاناة ف روسيا تختلف كثيراً عن السودان وليبياء والعراق

على الرغم من الانخفاض الكبير لصادرات روسيا جراء العقوبات الغربية عليها إلا أن ارتفاع اسعار الطاقة جعلها تجني عايدات كبيرة وضخمة تمكنها من الاستمرار في الحرب ولفترة أطول الغربيون والامريكون انفسهم اللذين عاقبوا روسيا ساعدوها كثيراً وانعكست عقوباتهم على الروس على اقتصاداتهم ومجتمعاتهم ف التضخم الجامح واضطراب سلاسل التوريد احدثت مشاكل اقتصادية وحاله من الغضب الشعبي على الحكومات.

كما وأن عقوباتهم على روسيا أثرت على عملاتهم ك اليورو والين الياباني انخفض لأدنى مستوى له في 20 عاماً مقابل الدولار الأمريكي .. أي أنه لو استمرت الحرب كما هي عليه الآن دون زيادة في حجم الانتاج النفطي واستمرار اضطراب سلاسل توريد الغذاء وتعقد الأوضاع السياسية والعسكرية ربما ستعم الفوضى والاحتجاجات غالبية القارة الأوروبية وربما نشهد سقوط انظمة سياسية وخراباً ودمارا.

الحقيقة التي لم يستوعبها البعض هي أن روسيا تلعب دوراً مهماً واساسياً في التجاره الدولية لما تتمتع به من موارد طبيعية ك النفط والغاز واللذان يعتبران شريان حياه للاقتصاد العالمي والتوجه لمعاقبة روسيا هو توجة لإلحاق الاذى والضرر بكل دول العالم وبمستويات مختلفة ،لقد اكتوى بنيران العقوبات من سارعوا لمعاقبتها وبكل تاكيد سيندمون على سرعة اتخاذ قراراتهم التي سرعان ما شكلت مصدر قلق وانزعاج يهدد وجودهم واوقع ولا زال يقع بشعوبهم في معاناه صعبة والأهم من كل هذا هو أن تعي كل الشعوب حجم الاخطاء الفادحة التي يرتكبها سادة النظام العالمي اليوم واللذين في الحقيقة يتحملون ما آلت الية اوضاع الاقتصادات والشعوب حول العالم من ازمات ومخاطر جراء ازمتي الطاقة والغذاء

نستطيع القول ان روسيا في ضل حربها الجارية على اكرانيا وما نجم عن هذه الحرب من عقوبات ومخاطر متعلقة بالاستثمارات والسياحة والتجارة هي فعلاً خسرت الكثير لكن هذه الخسارة لا تستدعي القول أن الكفة مرشحة لانهيار الاقتصاد الروسي او زعزعه الأمن الداخلي كما تريدها أمريكا والغرب.

اي حرب لابد وأن تسودها الخساير سواءً البشرية او المادية وأيضاً قد تتحوّل النجاحات الى تهديد وخطر فمثلاً بفعل قرار الرئيس الروسي بوتين بدفع قيمة مبيعات الطاقة لدول الغير صديقة كما أسمها ب الروبل ساعد هذا القرار في زيادة الطلب على الروبل امام الدولار حيث وان روسيا اكبر مصدر للغاز في العالم وثاني اكبر مصدر للنفط في العالم زياده الطلب على الروبل زاد من سعر صرفه لدرجة انه ارتفع عما كان عليه قبل الحرب ب 30% لكن استمرار تحسن الروبل قد يقوّض الصادرات الروسية ويجعل من القوى التنافسية لها منخفضه لذلك خفّض البنك المركزي الروسي اسعار الفايدة من 20% الى 11% إجراءً منه لعدم دفع الروبل للصعود والتأثير على الميزة التنافسية للصادرات الروسية امام صادرات السلع الأخرى.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى