ثقافة وأدب

“تجليات اللون الأخير”

هيام سلوم

 

سألته، بصوتٍ يتهدّج بين دلالٍ ودهشةٍ:
أيّ الألوانِ تُحبّ؟
أجابها: أحبّها كلَّها.

قالت وهي تُحدّق في فضاء السؤال:
وماذا يعني لكَ الأبيض؟
قال: هو لونُ النقاءِ حين يَغتسلُ القلبُ من شوائبِ العالم،
لونُ الصفاءِ حين تُطفئُ الأرواحُ نارَها لتستريح.

قالت: والأخضر؟
ابتسم وقال: لونُ الأرضِ حين تتهجّى آياتِ الخصب،
لونُ الخيرِ والعطاء،
حينَ تُصلّي الأشجارُ وهي واقفة.

قالت: والأزرق؟
أجابها وهو يرفع بصرَه نحوَ اللاحدود:
هو لونُ البحرِ حين يكتبُ وصيّتَه للموج،
لونُ الأفقِ الذي يهربُ من نفسه،
لونُ امتدادِ السماءِ حين تنسى شكلَها في العلو.

ثمّ سألته بخفوتٍ يشبهُ الحذر:
وهل الأسودُ يعني لكَ الحزن؟
قال: لا…
هو لونُ الولاءِ،
فيه يختبئُ كلُّ شيء،
كأنَّه السِّرُّ الذي يحرسُ الكونَ من الانطفاءِ.

ضحكت،
ضحكتْ كطفلةٍ تُربكُ النسيم،
وقال لها وهو يتلعثمُ بدهشته:
وأنتِ، ما الألوانُ التي تُحبّين؟
أجابتهُ عيناها قبلَ لسانها:
لونُ القمرِ حينَ يكتملُ بدراً،
لأنّي أعشقُ الليلَ،
والنجومَ،
والسَّهرَ الذي يَكشفُ وجهي لنفسي.

سرحَ بفكرِهِ كالمفتون،
كأنَّهُ يحاولُ أن يرسمَ ملامحَها بريشةٍ من ضوءٍ،
وتساءل بينهُ وبينَ صمتهِ:
من تكونُ هذه المرأةُ التي تتنفّسُ كقصيدةٍ في عتمةِ العالم؟

ومعَ بزوغِ الفجرِ،
عانقَ الضوءَ مهرولًا نحوها،
وعلى كتفهِ بستانٌ من الزهور،
كلُّ الألوانِ في جعبته،
كأنَّهُ جنديٌّ في معركةِ الجمال،
لا يحملُ إلّا نواياهُ الطيّبة.

وقفَ أمامها،
وفي يدهِ الصباحُ كلّه،
وقال: اختاري اللونَ الذي تُحبّين.

ابتسمت،
ودارت حول نفسها كما تدورُ الأرضُ حول شمسٍ لا تُطال،
أغمضت عينيها،
وأمسكت بطرفِ ثوبها وهي ترقصُ على موسيقى الحنين،
فاضَ من قلبِها عطرٌ يشبهُ الفرحَ حينَ يُولدُ في الذاكرة.

اقتربَ منها،
فتحَ ذراعيهِ،
ضمّها كما يضمُّ الغيمُ قمّتهُ قبل المطر،
قبّلها…
وكانت القبلةُ لغةً أقدمَ من الحروف.

همستْ في عينيهِ:
“أنتَ لا تجيدُ صناعةَ الألوان،
لكنّكَ تتقنُ التسلّلَ إلى أرواحِها،
تغزوها برفقٍ،
كأنَّكَ تمشي على نَفَسِها لا على ترابها.
الألوانُ لا تكتملُ بالفرشاة،
بل بالهمسِ الذي يسكبُهُ الشوقُ بينَ شفتين.”

ثمَّ نظرتْ إلى وجههِ الطافحِ بالنور،
كأنَّ اللهَ مرَّ من هناك،
وقالتْ وهي تبتعدُ قليلاً:
“لا تقتربْ… يكفيني أن أراكَ،
فالنورُ لا يُحتضن،
يُرى فقط، ويُخلَّد في القلب.”

ومنذُ تلكَ اللحظة،
صارَ للّونِ معنىً جديد،
صارَ الأبيضُ حنينًا،
والأخضرُ وعدًا،
والأزرقُ حلمًا بعيدًا،
والأسودُ سِترًا من شوقٍ نقيٍّ.

وصارَ هو، بينَ كلِّ ألوانِها،
لونًا لا يُسمّى،
بل يُحَسّ،
يُسكَن،
ويُعبَدُ بصمتٍ يشبهُ الشعر.

— بقلم شاعرٍ يؤمن أن الألوان ليست ما نرى… بل ما نحسّ.

تعليق واحد

  1. ادا سمحتم لنا شكرا لكم وهي كدالك لشاعرة المحترمة ومن باب التتبع لنشاط الفن في كل صوره المتميزة بل على مستوى عال من لامتياز ونقول أيضا من نالت شهرة واسعة ولازالت شعلتها مشتعلة ان صح التعبير أضع كلمة بنغمة موسيقية من اختيارنا تحت ظل هده القصيدة الشعرية المعبرة فبلد الشام بلد عظيم بتاريخه الطويل .
    هي كدالك
    قلت لها
    ارجوك
    أبعدي
    عن
    وجهك
    اللثام
    وصدقني
    ني
    ني
    ني
    انني
    لن
    أرسمه
    على
    ظهر
    لوحتي
    تي
    تي
    فقالت لي
    ضعها من يدك
    هاهي
    أنظري أليها
    ها
    ها
    فهي تحترق
    ومن اجلك تحترق
    فقهقهت
    ضاحكة
    ثم
    أختفت عن
    ن
    ن
    عيوني
    فلمت نفسي
    سي
    سي
    *-/*

اترك رداً على بلي محمد من مدينة الدار البيضاء المملكة المغربية إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى