أصــداء منوعةثقافة ، أدب ، إصدارات

رواية وادي الرمال .. حلقة (11)..

حـمـد الـنـاصـري

 

رواية وادي الرمال .. حلقة (11)..

 

ورغم المعارضة الشديدة لرؤاه وأفكاره فقد أخذت قصص وليد واهتماماته بالرمال تنتشر وتَعُمّ أرجاء الوادي، وكثُرتْ الأسئلة واتخذ بعضها جانب التخوّف والقلق.. وانتفض بعض الحمقىَ وتلاطمتْ الأفْكار وتساءل البعض كيف له أن يذهب وحيداً إلى رمال قاسية لم يستطع أحـد قبله سبر أغوارها.؛ وما هيَ أبعاد رؤياه الجديدة ؟! وما الشيء الذي استدركه هو من واقعها الغامض ولم يدركه سواه من قبل ؟!

في جلسة لمجموعة من القوم قال احدهم هامساً يُعرف بالحكيم:

ـ كيف لوليد أنْ يذهب بعيدا في أعماق الرمال دون رفيق؟ وما الذي دفعهُ إلى تلك المُخاطرة.؟ أليس في ذلك مجازفة غير محسوبة ، أم أنه اعتراه  شيء من هلوسة أو مس؟! قلّب يديه في حيرة ثمّ اسْكنها على ركبتيه ، وتساءل ما الذي يحدث في الوادي من تطاول على الرجال ام هو  انحراف في مجتمع الرمال او هي مُخاطرة جسيمة او هيَ مُغامرة من فتى طائش سببها ثورة جسدية او نشوة نفسية.؟ ام انهُا فقط محاولة  لكسر القاعدة والمألوف من العادات والتقاليد حتى ولو أدى الى ضياع هيبة الرمال .؟

سكت بُرهة واطرق يُفكّر ، يلتفت يسرة ويمنة لكأنه يبحث عن الجواب في وجوه الحاضرين، ثم  مدّ نظرهُ في افق الرمال ، وحدث نفسه ، هل من رابط بين كينونة الوادي وكينونة الرمال؟ .

سحب نفساً عميقاً وأغمض عينيه وظلّ صامتاً ولم ينبس بحرف.

نكزهُ أحدهم بكوعه واقترب منه ، وهمس :

ـ ما بكَ لا تتحدّث عن تلك التجربة ؟ أليس من حقّ وليد خوض المُغامرة فلعلّ في مُغامرته منفعة للوادي أو ضرورة للتّغيير في حياة الوادي.؟ ورغم أن مثل تلك التجربة فيها من المُخاطرة الجسيمة لكن وليد لا يزال غِراً يافِعاً في بداية عُنفوانه وشبابه ؟! فعسى أن يكتشف لنا ما نجهله ؟.

انبرى رجُل قصير القامة حِنطي البشرة  قائلا:

ـ الخوض في مجاهل بحر الرمال لهو ضَرْب من الخيال ، والمُغامرة في حدّ ذاتها صعبة وقاسية ليخوضها شخص بمفرده  والنتيجة غير مضمونة بل العواقب هي المضمونة علاوة على اننا لا نتوقع منه أنْ يجلب لنا شيء يُنتفع به ولا حتى مسرّة نُصيب منها شيئاً .. فلماذا نشغل عقولنا بحكايات وليد .؟

رد الرجل الذي عُرف بالحكيم :

ـ لكنّ الواجب عليكم أنْ تُنكروا عليه فعله فالخطر الحقيقي ليس المُخاطرة ولكن في تحقيق هدف المُغامرة ، فوليد ينشد التغيير  في مجتمع الوادي والرّمال ثم الخطر الأكبر إذا نجح مسعاهُ في الوصول إلى مُجتمع القرية وانتشرتْ أفكاره بين الناس .. ذلك هُو الخطر الحقيقي ؟!

ـ كيف ؟ قال الرجل قصير القامة .

عقّب الحكيم:

ـ أنا أكثركم رغبة في فهم علاقة الرمال بتصرّف وسُلوك وليد ولم أجد أية رابط بينهما ، غير ذلك الخطر المُحدق برمالكم وتعلمون جيّداً أنّي أرى ما لا ترونه وأدرك ما لا تدركونه  .. فوليد برأيي خطر على الرمال وهدفه الوحيد من مُغامرته هو تحقيق غايته ، فوليد يمتلك النباهة والذكاء وخطرهُ يكمُن في قوّة الاقناع في الوادي والرمال ويسعى لانتشارهُ بين الناس في مجتمع القرية .؟

اكفهرّ وجه وليد، وأطرق برأسه حُزناً وبدتْ عليه حسرة من ذلك الفهم المغلوط .. لزم الصّمت ولم ينبُس بشيء وأطلق زفرة حزينة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى