أصــداء منوعةثقافة ، أدب ، إصدارات

رواية وادي الرمال .. (حلقة 12)..

حـمـد الـناصـري

 

رواية وادي الرمال .. (حلقة 12)..

 

تحدث أَحدهم ويبدو أنه مِن علية القوم :

ـ قد تكون هذه من أكبر الفتن التي مرّت بها الرمال حيث انقسم القوم إلى مُؤيد ومُعارض حتى وصل الأمر إلى التناحر وتلك الأفكار لا تُمثّل مُجتمع القرية ، إنّها طيش مُطلق.؟ فلنحذر كما قال أحد المُتحدثين .. فقد يكون وليد قد أصابه شيء من الغرور وافْتتن بقدرة ذكائه وقوة اقناعه ومَنطق حجته، ولا ننسى أنّ وليد يمتلك صَلابة الموقف فهو لم يتراجع عن آرائه رغم شدة مُعارضته من قبل كبار القرية ، ولم يَهتز لرأي من اختلف معه ، فهو يعيش أوجّ نشاطه ، ولديه حماسة وقوة دافعة ؛.

قال آخر بصوت غاضب عُرف بالعجيب :

ـ أما آن الأوان لوقف تلك المهزلة المريضة؟؟ علينا أنْ نضع حداً لوليد وأفكاره وألاّ نسكت عنها فالسكوت عنه سيجعل الناس يَعتقدون أنه على صواب وسَيتبعونه  ونخشى أنْ ينجرّ إليه بعضهم بحسن نية ، فإذا وجد سُذّج القوم يُصدقون كلامه ويُؤمنون بأفكاره ، وأكاد أجزم أنه سينحرف عن الحق ، وسيَعرض عن طريقتنا ، وسيرفض قولنا ، وسيتجاوز بصلافته حدّ التبجّح والتمدّح ، وإني واثق إنْ صَلف عنْ ما نُريده ، فسوف يُجاوز حدّ واقعه بل وسيفوق بذلك قدْرَ الاعجاب بالنفس فسوف يغترّ ويتكبّر.؛ وإنْ وصل حدّ الصّلف تَعجرف، وسيأخذ الرجال إلى طريق وسلوك مُنحرف؛ وسيكون لأولئك الرجال المُنحرفين بأفكار وليد لكل واحد منهم جُرأة لتحدّي أفكار مُعتقدنا وتسفيه موروثنا وتجاوز حدود عاداتنا وتقاليدنا ، وهنا سنجد تعدّياً على موروثنا وقد حذّرنا اسلافنا أنْ تُمسّ او تُسفّه ، وتلك هي اقدار حياة آبائنا ومن سار قبلهم في الوادي وهيَ موروث اجدادنا منذ قرون طويلة.؛ وإني لناصح لكم وأمين على موروثكم من ضَلال وليد ، ويجب أنْ نَقف جميعاً ضدّهُ بترك باطله وكذبه ، وإنْ لم تفعلوا ولم تقدروا على تغيير وليد وصدّ رجالكم عنه ،فسوف تجدون عُقبى لا تسرّكم ولا تُحمد عُقباها في الوادي والرمال ، وابشروا بفوضى عارمة في الوادي وشيء من كثير مُخيف في الرمال .؟ وإياكم أنْ تجعلوا أفكار وليد تتسلّل بين رجالكم أو تتسرب إلى افهامهم واقطعوا الطريق فوراً ؛

استمرّت نقاشات الرّجال وطالتْ اختلافاتهم واخذت اهتماماتهم جانباً كبيراً من حكاية وليد وما يُنشده من تغيير في مُجتمع الوادي والرمال.

قال احدهم وقد وقف من شدة الحنق والضيق :

ـ صدق العجيب .. إنْ لم نستنكر ذلك الفعل والسلوك بمجتمع الوادي ، فسوف يحدث انقلاب وانتهاك لكل ما ألفتموهُ على مرّ الازمان ، والخوف كل الخوف أنْ ترث الاجيال القادمة تُرهات تتشعّب وتكبر ثم لا يكون بينكم من يصدّ تُرّهات وليد. واياكم انْ تنتظروا منه شيئاً غير كلام مُنمّق ، مُزخرف ، لا يُحيي موروثكم ولا يُسعد واديكم.

رجل كان يجلس خلف المُجتمعين ازداد حنقاً وعلا صوته:

ـ ألا تعقلون؟!! أليس هو من وصفكم بالحمقى؟!!.
ألا تذكرون ذلك اليوم الأسود الذي وصفكم فيه بأقبح الصفات؟!! ولا زلتم تقيمون له وزناً!!.

أحد رجال وليد تسلل من بينهم خُفية وأخبر وليد بالأمر وما اجتمع عليه رجال الوادي، فجأة ظهر وليد وأخذ يتحدّث بجرأة أمام الجمع :

ـ أيها الرجال ، سرّني اجتماعكم ولا بُدّ لي أنْ أعوّضكم ما فاتكم من حياة وما أهدره آبائنا من سنين طويلة وإني أسْلك بكم إلى طريق النجاة ، لتكونوا جميعاً في أمان وطُمأنينة على الرمال.؛

ازداد الحديث غلظة وارتفعت نبرة الصوت وعلتْ حدّة الانشقاقات بينهم .. نهض وليد مرة أخرى ، وخطب في المجتمعين:

ـ السماء مُنيرة والرمال زاهية والوادي جميل بكم ، ولن يتوقّف سعيي حتى أراكم تعيشون في خير وسُؤدد ، وخذوا نُصحي ، ابتعدوا عن موروثات سقيمة وورثوا أبنائكم ما يُحررهم من الضَلال تسعدوا .. ذلك ما أقول لكم ، أنْ نترفّع عمّا اقترفه غيرنا من خطأ.؛ لماذا نرتكب أخطاءً لا تنفعنا بقدر ما هي تضرّنا .؟ فمثلاً بلاهة عقول البعض وصلت حدّ السَفه ، يُدافع عن إرْث سَقيم ، ومن البلاهة بمكان ، بِتْنا لا نُميّز بين الغث والسمين ولا نُفرّق بين النافع والضّار

شدّ عجيب بيده طرف ثوب وليد وقال :

ـ ويحك .. وما دخلك في شئوننا ؟ مَن نصّبك لتكون مسئولاً عن رجال الوادي ؟ مَن جعلك واستخلفك وصيّاً على وادي الرمال ؟ قُل يا فهيم ، مَن سَيكتب على صفحاتهم أنت أم تأريخهم ؟.

سكت ثم اردف زاجراً وليد :  إنْ كُنت تُريد الخير للوادي والرمال فاترك القوم وشأنهم وغادرنا إنْ شِئت!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى