أصــداء منوعةثقافة ، أدب ، إصدارات

رواية وادي الرمال .. الحلقة (١٤)..

حـمـد الـنـاصـري

 

رواية وادي الرمال .. الحلقة (١٤)..

 

قال رجل مغرور بشبابه وهو يُشير إلى الرجل الذي عاهد وليد على السير معه : دع عنك فلسفة الكلام وادخل في التفاصيل واشرح لنا بعض غموض كلامك قبل غموض دهشة وليد وفُجائيّته ؟ عقّب الرجل الذي عاهد وليد بأنْ يكون معه : لا ريب أنّ الثبات إرث كبير والوعي تربية عميقة وصاحب الظنون شخصيته تحتاج إلى صَقل حتى تكون في مقام الرشاد.؛ وأنا انصحك ، بأنْ تَدع عنك قول الباطل ، ولا تتعامل بسوء الظنّ ، واتّبع ما يُثير اعجاب الناس فيك ، فاكثر الظنّ يُذهب بشعور الصدق ؟ وذلك ما يُزعج وليد ، فكثرة الاعتراضات جهل وحمَق ، واترك ما لا تُدركه وأقْبِل إلى ما يَنفع الرجال ، فالسعادة هي أصْدق حوار مع النفس ، وحقيقتها الثَناء على كل خير.

تلطّف وليد مع ابن عمه وهو يَقعد بين المجتمعين : الحقيقة يا ابن العم كما وصفتها هي مَصدر الأمان ، وأنّ السُرور والارتياح والاطمئنان مصدر الاستقرار .. أُقْسِم بمنْ أنْبتَ الكلأ والزّرع والوادي أنّ مُستقبل وادي الرمال يكمن في قول الحقيقة للناس .. أنا لا ادّعي القوة الخارقة، ولا انا بأحمق او مَعتوه ، انا صاحب رسالة إنسانية ، يُحزنني غياب جدي الكبير ، كما يُحزنني غياب عمي الطيّب ، ذي الإنسانية النقيّة والسريرة الصافية .. وسأبذل قُصارى جهدي لتوسيع قاعدة الحياة السعيدة بقرية الوادي .. وأنا على عهدي باقياً ، وسأقوم بتوسيع قاعدة السعادة في قرى الوادي وتوطيد العلاقة التي ارْتكزت عليها قاعدة جدي الكبير .. وسأضيف عليها “السلام على الرمال حياة لكل الناس!”.

قال رجل بدا عليه انه مَشحون بالعزيمة وتكلم بهدوء : رسالتك بلغتْ مسامعنا وأدْركتها عقولنا، وقد قِيْل قديماً ، أنّهُ كُلّما ازْدادت المَلامة في النفس ، كُلّما ازدادتْ الرغبة في التّفكير.

ـ نعم ، هذا ما اقصده .. بقاء النّاس على صَفاء واطمئنان هي السعادة التي أنوي جَعْلها بين قرى الوادي لِتُعين الرجال على حياة الثّقة التامة… سكت ثم اردف :

احسن الذّكْر قول جميل انت قائلهُ .. ولا ترفعنّ بالظنّ أفْعال قبيحا.. فذلك القول الناس تُكثرهُ .. ودع عنك كُل ما قيلا .. وادعو إلى ذِكْر الحميد وكُن مآثرهُ .. تأتيك أفعالها إحسانا جميلا.

انبرى رجُل آخر ، مُستفزّاً وليد :

ـ ماذا تَعْني بكلامك “بقاء النّاس على صفاء ، وجَعل أسلوب حياة يُعينهم على زرع الاطمئنان والثّقة العالية في نفوسهم!” ثم ماذا تعني بتلك الكلمات السردية، لا هيَ بشعر من قول البشر ولا هيَ بفلسفة كونية من قول السماء .. فهل ذلك ما تَعنيه بالحال الجديد بالوادي والرمال ام لديك شيء آخر تَعدنا به قبل مُغامرتك في الرمال ؟ أم ماذا ؟ سكت بُرهة .. ثم اردف غاضباً : أرجوك وليد ، كفانا تُرّهات عقيمة لا تأتينا بغيرها ، فرجالنا لا رغبة لهم بها ،  ومخاوفك لا تُعنينا ، فلا أنت جُزء من حياتنا ولا نحن جزء من حكايات مخاوفك ؛ اذْهب ولا ترجع .. كفانا هُراءً !.

قال رجل آخر مستفزّاً وليد :

ـ صدق نَعيم في قوله .. لم يخشَ رجالنا احد قبلك ولا نخشىَ احد بَعدك .؟اذهب ولا ترجع لنا ،  وجودك مثل عدمك ، لا نأسف على ذهابك وعودتك لا تسرّنا ؟ .. اختفي كيف شئت من الوادي .؟ فلا صِلة تجمعنا بك ولن يَذكرك احد ، فأنتَ بلا أُسْرة ولا ولد .. وإنْ كان لديك مالٌ كسبتُه بيدك فقطعاً لن تكسّبه لأحد .. فأنت كما انتَ ، لا جديد تُقدّمه ولا قديم تُورّثه .. وهذا المكانْ ـ وأشار بيده إلى ـ الوادي ؟ ليتكَ تُغادرهُ بلا عودة ؛ ورفع نظره إلى أعلى .. أيتها السّماء لا تُرجعيه ابداً.

قال وليد بعزم : الحكايات الجميلة والأحداث الرائعة، قدرها أن تبقى.؛ والمُنبتّ مبتور النهاية ..فاجعل لك مُخيّلة تستوعب ما بعدها ، لا تحرم نفسك كما حُرم منها غيرك ، ألم تسمع على لسان الاوّلين ، المواقف رجولة ؛ فلا تجعل لك شأن أقلّ منها ؟

قال نعيم الكايد مُعقباً بغضب : ما يُقْلقني اطمئنانك ، فلعلّك لا تعود .! قال وليد بإصْرار وعزم : أنا ومن معيَ نتوق إلى المُغامرة في الرمال ، هدفنا التغيير،  فكُن معنا ، ولا تكْسر مَجاديف الرُشد في نفسك ، فلا تنفع يومئذ ولاتَ ساعَة مَندم!.

هبّت نسائم اللّيْل باردة وجافّة على وجْه وليد ، واطلق العنان لروحه وسافر مع كلمات عالية، وتمتم : سَعادة الإنسان في عطائه المُستمر ، وكلّ الأشياء على قَدْرها ثمينة حين نُدرك النّهاية ؛ بينما ظلّ نعيم الكايد مُطرقاً برأسه إلى صَدره وخفّض بصره وسكت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى