أصــداء منوعةثقافة ، أدب ، إصدارات

رواية وادي الرمال .. الحلقة 15..

حـمـد الـنـاصـري

 

رواية وادي الرمال .. الحلقة 15..

 

ذاع سفر وليد إلى وادي الرّمال المُوحشة وانتشر خبر سَفره بالدّهشة ، فقد شكّك الرّجال في قيامِه بهذه المُهمّة الصعبة .. قال كبير المُجتمعين لبحث سُلوك وليد بالقرية والوادي والرمّال : سَفر وليد إلى الرّمال مُجازفة غير مُمْكنة ؛ سَفر عبر أعماق الوادي شِبه مُستحيلة.

سأل كبير الرّجال أحد الذين لديهم خِبرة في الرّمال البعيدة: حدّثنا عنها أكْثر .. حدّثنا عن الرّمال والوادي .. فهل يُمكن لوليد أنْ يَسْبُر أعماقهما بكلّ سهولة ويُسْر .؟ وهل يَصدق القول فيما ذهب إليه .؟

تنهّد رجل ذو لحية كثّة ، بها الكثير من بياض الشّيب : أستطيع أنْ أصِفها لكم ، بأنّها عميقة مُخيفة ، وبها تهاويات ويَستحيل أنْ تَصنع جدِيداً عليها؛ بل وأظنّ أنّها سوء طالع وحظّ مَقلوب ؛. وكما يبدو لي ، أنّ وليد يُعذّب نفسه في مُغامرته وأخشى أنْ لا يعود منها.

قال رجل قصير القامة : أعتقد أنّ وليد يُريد أنْ يَصنع من نفسه مُغامراً صحراوياً، فالسَفر في الرّمال يحتاج إلى زادٍ من المعرفة والخِبْرة والدّراية العميقة ، وهو لمْ يزل غِراً لم يبلغ حدّ أطراف الوادي!.

اتّفق المُجْتمعون ، أنْ يحملوا أمْرَهُ إلى الجدّ الكبير ، فأخذوا يتشاورون بينهم أمرهم وخلصوا نجياً بينهم أنْ يذهبوا إلى الجد الكبير بَعد شُروق الشمس .. لكنّ الرجال اختلفوا فيما بينهم ، وتفرّقت آراؤهم ، قال أحد الذين اكّدوا على فكرة لقاء الجد الكبير بعد شروق الشمس شارحاً الفكرة : في هذا الوقت يكون النشاط أكثر قُبولاً ، وغالباً ما يكون في النّهار الباكِر أكثر حيوية ، تتفتّح فيه الأفكار ، ألم تقرؤوا في بواكير التكوين ” الربّ خلق الأرض وخلق السماء في باكر النهار ، بين الفجر وطلوع الشمس ” ألم تسمع القائل “اختار أوّل الصباح وعجّل اختيارك وإيّاك والتأخير فالموت يَقتل كُل نشاط” اسوق لكم هذه النصوص لعلّكم تَنعمون بقبول الرأي الراشد .. والجد الكبير يهتمّ بالرأي السديد وبالرشاد بينكم؛ قال رجل لتوّه انضمّ إلى الرجال الذين يُخالفون الرأي الأول وعُرف بمغامر الصحراء : أعتقد أنّ المساء هو أنسب الأوقات ، لأنّ وقت المساء هو وقت تمكين الفِكْرة وانشراح الالباب فالمساء فيه سعادة باذخة، تتفتّح في إطرائه الآداب وتكسب الهدوء هدْأة الإسْترخاء .؛ وقد تعوّد الجد الكبير على التدبّر ومزيد من التأمّل.

قال مغامر الصحراء مبتسماً: من الضروري أنْ نُخبر الجد الكبير فما يفعله وليد ليس بالأمر السهل ، ففي أصعب حالاته يكون به كمن فيه هوس او حمق وجنون، وإنْ سكتنا وتغاضينا فسوف تحدث جريمة نكراء ، جريمة لا تُغتفر.؛ التفت إلى الحضور وصرخ بقوة : حدثوه عن خوفكم ابلغوه برأيكم .. افهموهُ قلقكم .. انتم شُركاء في الرمال ، تتقاسمون معاً .. كونوا رجالا لا تخافون ، وبأمثالكم يفتخر الجد الكبير.

حمل الرّجال فكرة مُغامر الصّحراء إلى الجَدّ الكبير ، وفي المساء الموعود ، حدثوا الجد الكبير عن رحلة وليد إلى الصحراء وعن مغامراته فيها وبدا عليهم وكأنهم خائفين عليه، وقالوا : جئنا نُبلغك عن حفيدك ونُخبرك عما يقوم به حفيدكم من عبث هو مهووس به..؛ ذلك ما يُخالف نظرتكم الحكيمة ، ليكون الجميع بعيداً عن كل هوس وحمق.؛ إنّ وليد يحمل في جُعبته الحمق والهوس والكراهية للحياة والرمال . وذلك ما ينتقص من فِعْله ويَنقص من عمله.

قال الجد الكبير مُحدّثاً الجميع ، بصوت جهوري خشن:

أعلم ما تَعلمون وادرك ما تُدركون ، لكن سَبر أغوار رمالنا من الأُمُور الشاقّة ، وأناـ وضع باطن كفه الايسر على صدره ـ مُوقن أنّ وليد لديْه من العزْ ومن الشجاعة والجُرأة لم أرَ غيره من الرّجال في مستوى قوته ورجاحة عقله؛ فلا تسْتهينوا بقدراته .. وإذا بلغ مُراده، أي الوصول إلى الرمال وحقيقتها، فذاك هُو مَقامه وشرفه.

شَمس الوادي تتسلّل خلف جبال صَمَّاء صَلبة الصخور، وظلال مَسائها ينتشر في السّهل المُقابل كأشباح مُخيفة.. يتسلّق وليد الصخور العالية ، يُحاول التشبّث بأقرب صخرة .. صدى الهمسات تتردّد في الصخور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى