أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

حملة شرسة ضد عبدالباري عطوان..

زاهر بن حارث المحروقي

 

حملة شرسة ضد عبدالباري عطوان..

 

هناك من اعتبره صحفيًا جريئًا وصريحًا، ومناضلًا وبطلًا، لا يخاف في الحقّ لومة لائم؛ وهناك من اعتبره مرتزقًا يُسَخّر قلمه لمن يدفع أكثر، فسمّاه البعض – خاصة بعض الكتّاب الخليجيين – عبدالباري دولار، آخذين عليه تأييده للرئيس صدام حسين، ووقوفه مع سوريا، وكذلك دفاعه عن أسامة بن لادن، وتأييده لحزب الله وبالتالي لإيران، وكأنّ المطلوب منه – ومن أيّ كاتب – ألا يكون له موقفٌ تجاه أيّ قضية، وعليه أن يكتب ما يرضي بعض الدول وبعض الناس فقط، وهذا بالتأكيد يستحيل أن يتحقق، وأذكر أني شاركتُ في دورة تدريبية في مجال الإعلام، فقال لنا المحاضر : “هناك خطأ يرتكبه بعض العاملين في وسائل الإعلام، عندما يطبّقون قول “الجمهور عاوز كده”، فكان من نتيجة ذلك أن هبط المستوى، وفقدت هذه الوسائل رسالتها، لأنها اهتمت فقط في إرضاء أذواق المتلقين، ولم تركز على الارتقاء بهذه الأذواق”، وهذا ينطبق تمامًا على الكتّاب إذا نسوا رسالتهم واهتموا فقط بما يرضي الآخرين، وأخذوا في حسبانهم إرضاء بعض الحكومات التي “لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب”.

خلال متابعتي للكاتب عبدالباري عطوان، لسنوات طويلة، منذ أن كان رئيسًا لتحرير صحيفة “القدس العربي” التي تصدر في لندن، رأيتُ أنّ الرجل تحمّل الكثير من الهجوم عليه، حتى وهو على الهواء في بعض القنوات الفضائية، ولم يتزحزح عن مواقفه، وكأنّ لسان حاله يقول: “ليقولوا ما يقولون.. فأنا أعرفُ هدفي ورسالتي”؛ لكنّ الجديد الآن أن يُتّهم بأنه مؤيدٌ وداعمٌ للإرهاب، ضمن حملة تشهير تقودها جماعات ووسائل إعلام صهيونية عالمية؛ وهي الحملة التي تجدّدت للمرة الثانية خلال العام الحالي، إذ طالبت الصحيفة اليهودية “جويش كرونيكال” التي تُعَدّ من أضخم الصحف الداعمة للاحتلال الإسرائيلي في بريطانيا، بـ “محاكمة عطوان” لدعمه ما وصفته بـ “الإرهاب”، و”إنزال أشدّ العقوبات به”، واتهمت الصحيفة قناة “ال بي بي سي” البريطانية، بـ “عدم اعتماد الحياد في تقاريرها فيما يخص إسرائيل واليهود، وباستضافتها شخصيات تدعم الإرهاب”.

ونشرت الصحيفة عريضة وجّهها مئةٌ من أبرز الشخصيات البريطانية من نواب ولوردات وشخصيات بريطانية بارزة إلى إدارة القناة، تطالبها بعدم إجراء مقابلات مع “الإرهابي عبد الباري عطوان” والمتهم أيضًا بالعداء للسامية، ولم يكتف الموقّعون على العريضة بذلك؛ لكنهم طالبوا بسجن عطوان وسحب جنسيته البريطانية ومنع قناته “اليوتيوبية”.

أشرتُ من قبل إلى أنّ هذه الحملة هي الثانية خلال العالم الحالي، فقد سبق أن تعرّض عطوان إلى حملات تشهير ضده، في شهر إبريل الماضي، بسبب مواقفه المؤيدة للعمليات الفدائية في فلسطين، وشنّت صحيفة “جويش كرونيكال” نفسها، هُجومًا عليه، مهددة بملاحقته قانونيًا بتُهمة “دعم الإرهاب”؛ ومن الممكن أن تصل العقوبة إلى 15 عامًا سَجنًا، إذا جرى تقديم عطوان إلى المُحاكمة بموجب التّهم المذكورة، وتمت إدانته. وما استفز القائمين على هذه الصحيفة هو شريط فيديو بثه عطوان في قناته، تحدّث فيه عن العمليات الفدائية الـ 4 التي هزّت الكيان في ذلك الشهر، لأنه وصف منفّذ عمليّة تل أبيب بـ “الشهيد” و”البطل”.

تضامنًا مع عبد الباري عطوان، خصصت قناة “الميادين” حلقة تضامنية معه، استضافت بعضَ الكتّاب والمفكرين العرب، حيث رفض اللواء أحمد فؤاد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إسكات الحق وقال : “يريدون إسكات صوت عطوان، ونحن نقف إلى جانبه؛ لقد قال الحقيقة، ومن حقه الحصول على الحماية من الجميع”، فيما ذكّر حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، المشاهدين بمأساة عطوان باعتباره من الذين شُرّدوا من وطنهم، وأنّ “القضية الفلسطينية هي قضية شعب شُرِّد، وعبد الباري عطوان هو أحد رموز النضال الفلسطيني، وأنه ليس هناك أشرف من الوقوف مع هذا الشباب الأعزل وهو يدافع عن نفسه”، ولفت مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، إلى أنّ “النهج الذي تسير فيه الحركة الصهيونية هو تحويل الضحية إلى مجرم والمجرم إلى ضحية”، وأنّ “المشاركين في الهجوم على عطوان يسعون لاستهداف من يفضح الجرائم الإسرائيلية”، وبعد حلقة قناة “الميادين” التضامنية، نشطت حملة تضامن أردنية واسعة مع عطوان، عبّر فيها وزراء سابقون للإعلام والثقافة ونواب وأعيان وكتّاب عن استنكارهم الشديد لما يتعرّض له، مؤكدين ضرورة الوقوف معه بقوّة، “فهو الإعلامي والسياسي المخضرم المدافع بقوة عن قضايا العرب، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية .. هو آخر الأصوات الحرّة في عالمنا العربي، ويمثّل اتجاهًا يحترم العقل العربي، ومن مميزاته أنه لا يساير ولا يجامل على حساب قضيته، فهو صوتٌ يقف في وجه الغطرسة الصهيونية التي تحاول إسكات كلّ صوت مدافع عن فلسطين”.

الواضح أنّ المعركة التي يخوضها عبد الباري عطوان هذه المرة، تختلف عن معاركه السابقة؛ فهو أمام مواجهة اللوبي الصهيوني القوي في بريطانيا؛ والمعركة هي جزء لا يتجزأ من المواجهات البطولية التي يخوضها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، وهو – كما يرى معن بشور الرئيس المؤسس لمنتدى الفكر القومي – ما يتطلب أوسع تضامن ودعم فلسطيني وعربي وإسلامي وأممي لعطوان، “الذي بات لكلماته وقع الرصاص على الاحتلال والاستعمار في فلسطين وامتداد الأمة”.

في مسيرته الإعلامية تنقّل عبدالباري عطوان بين عدد من الصحف، من ليبيا إلى لندن، بدءًا من عام 1989، الذي أصدرت فيه منظمة التحرير الفلسطينية صحيفة “القدس العربي” بدعم من الرئيس ياسر عرفات، الذي ربطته به علاقة وطيدة، والتقى بأسامة بن لادن، وانتقد إعدام الرئيس صدام حسين، وفلسطينيًا عارض اتفاقية أوسلو، وكثيرًا ما هاجم الأنظمة التي روّجت للسياسات الغربية، وأيّدت الاحتلال الأمريكي للعراق. ولأنه لم يهادن فقد كلّفته مواقفه منع صحيفة “القدس العربي” من الدخول إلى بعض الدول العربية.

سواء اختلفنا أو اتفقنا مع عبدالباري عطوان، سيبقى صوتًا حرًا مثله مثل بعض الأصوات، التي اختلف الناس حولها بسبب البيئة السياسية، والخلفية التاريخية والنشأة، ومنهم – على سبيل المثال وليس الحصر – جورج قرداحي، وكذلك صالح الأزرق في قناة “الحوار” الفضائية، ومحمد الهاشمي الحامدي في قناة “المستقلة”. فقد عُرفت عن هؤلاء، مواقفهم الداعمة للمضطهَدين، وجرأتُهم في الوقوف أمام الطغيان، ووقوفُهم إلى جانب القضية الفلسطينية.

هناك بعض الأنظمة العربية التي تؤيد الحملة الشرسة على عطوان؛ فمصلحتُها تكمن في إسكات قلمه وصوته – هو وأمثاله – الذين فتحوا منابر حرّة للناس، كي يعبّروا عن آرائهم بحرية. والغريب أن تتوافق آراء هؤلاء مع آراء الأصوات الصهيونية العالية، فما يقرأه القارئ العربي في صحيفة “رأي اليوم” لا يمكن أن يقرأ مثله في الصحف العربية التي تتشابه في كلّ شيء، حتى في العناوين، مع اختلافات بسيطة بين صحيفة وأخرى، كما أنّ ما يشاهده المشاهد العربي في حوارات صالح الأزرق ومحمد الهاشمي الحامدي، لا يمكن أن يشاهد مثلها في قنوات عربية أخرى التي تكاثرت ولا تغني من جوع؛ لذا فإنّ كلّ ذلك يُقلق تلك الحكومات ويقضّ مضاجعها.

وأذكر أني ذات مرة كنتُ في ندوة في عاصمة خليجية، فطلب مني أحدُ المشاركين في الندوة أن أرسل له عبر الإيميل مقالات عبدالباري عطوان، لأنّ صحيفته محجوبة في بلده، حسب قوله، وقال لي : إنّ الحجب شجّع الناس على أن تتناقل تلك المقالات بكثرة عبر الإيميلات، وربما الآن عبر الواتساب.

ومع هذه الحملة، أرى أنّ الوقوف مع عبدالباري عطوان واجب، والسؤال المطروح الآن هو : هل سيصمد في هذه المعركة كما صمد في معاركه السابقة ؟ وهل الحملة ضده ستكون مقدمة لحملات أخرى تطال الإعلاميين الشرفاء الآخرين ؟ ألا تضع هذه القضية مسألة حرية الرأي والتعبير في بريطانيا على المحك ؟ وسؤالٌ أخير من هو الإرهابي الحقيقي؟.

 

* تم نشر المقال بموافقة الكاتب ؛ نقلاً من جريدة عمان – عدد الإثنين 28 نوفمبر 2022م..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى