بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الأوهـام الـجـمـيـلـة..

عـبـدالله الـفـارسـي

 

الأوهـام الـجـمـيـلـة..

 

الوهم مطلب ضروري من مطالب نمو العقلية البشرية ؛ لدرجة أن الوهم أصبح تخصصاً مطلوباً وفاعلاً في مختلف جوانب الحياة.

فهناك علاقة وثيقة بين الأمل والوهم .. فكثيراً ماتختلط معنا الآمال بالأوهام دون أن نتمكن من الفصل بينهما أو تخليص أحدهما من أصابع الآخر وأظفاره!!.

فقد صادفت منذ أيام أحد الأصحاب القدامى المُعَبَّئين بالأمل بل بالآمال الكثيرة منذ عرفته.

وحين سألته مداعباً : كيف حال آمالك الجميلة؟؟.

نظر إليَّ باستحياء وخجل ، وقال : لقد تحولت الآمال إلى أوهام ياصديقي!!.

فقلت له : إذن لتكن أوهاما جميلة كأوهامي العظيمة!!.

فانطلقنا نثرثر ونتجول ضاحكين في دهاليز أوهامنا وأزقتها الغريبة.

★★★★★

ليس هناك أي مشكلة في صناعة الأوهام الجميلة.

فالأوهام تزرع كما تزرع البازلاء ، وتجنى حبوباً خضراء فاتنةً وشهية.

ولو قرأنا التاريخ بكل فروعه الأربعة القديم والوسيط والحديث والمعاصر ؛ لعثرنا على كم هائل من التراث الذي يحترم الوهم ويمجده ويجعله في قمة المناهج الحياتية عبر العصور.

لقد استخدم ملوك الفراعنة الوهم طوال حياتهم وغرسوه في أدمغة عبيدهم وكهنتهم وحاشيتهم.

واستخدم ملوك واباطرة الرومان منهج زراعة الوهم في عقول شعوبهم سنوات طويلة ؛ فجنوا مكاسب لا تعد ولا تحصى من المكانة والتوسع والثراء والسيطرة والطغاء.

الوهم منهج من مناهج الحياة الحديثة.

إنه يُدَرَّس كطريقة من طرق العلاج والشفاء والنمو والبقاء والاستمرار.

الأطباء في كل مكان يستخدمون الوهم في علاج النفسيات المحبطة لمرضاهم ليتجاوزوا السحب السوداء التي تخيم على عقولهم.

فيعيش المرضى في استرخاء ، وسلام تحت تأثير الوهم ورذاذ التخيلات.

القادة والعسكريون يستخدمون الوهم مع جنودهم أيضا لأجل دفعهم للقتال ، ورفع مستوى شراستهم في أرض المعركة وتحقيق أوهامهم كما يغعل السيد بوتين الآن حين قال لجيشه وهو يستعد لغزو أوكرانيا : إن مهمتهم مهمة عسكرية سريعة وخفيفة .. ومازال الوهم هو العامل الفاعل والساطع في بقاء الجيش الروسي في الأراضي الأوكرانية حتى اللحظة.

★★★★★

الوهم سلاح صحي وناجع تستخدمه كثير من الدول للقضاء على الخمول والكسل والإحباط واليأس الذي يصيب الشعوب فيحيلها إلى شعوب محبطة ساخطة ناقمة.
فتشحن بالوهم همهم .. وتملأ بالسراب أدمغتهم فتشفى به أمراضهم وتزول منه أسقامهم.

★★★★★

أنا منذ سنوات طويلة أحتفظ بتركة هائلة من الأوهام الملونة ؛ لدرجة أنني أصبحت أنهض من نومي بصعوبة بالغة.

فتكدس الأوهام وامتزاجها بالأحلام سببت لي كثيراً من اليأس ، وأمطرتني بأشكال من الوساوس والسخط والبؤس واللعنة.

فنصحني ناصح عزيز بالذهاب إلى الوسّام (الذي يقوم بعملية الكي).

قال لي : إنك بحاجة إلى “كي” في منطقة تركز الأوهام في رأسك!! ، وستنجلي كل أحلامك وتذوب كل آمالك وتتلاشى كل أوهامك ؛ فتعود كما ولدتك أمك رشيقاً خفيفاً خالياً من الأوهام!!.

فنصحني قريب برجل خبير في عملية “الكي” يقطن في منطقة بعيدة .. فرافقني إليه.

وحين وصلنا بعد اربع ساعات من السير والمسير والنوم والشخير وجدنا سيارات كثيرة أمام بيته فاعتقدنا بأن الوسّام عنده مناسبة كبيرة.

فسألنا أحد الواقفين بجانب البيت :
هل هذا بيت الوسّام فلان ؟ فقال : نعم أنه هو.
فقلت له ؛ ولِمَ كل هذه السيارات الكثيرة ؟؟!!.
فقال : هؤلاء زبائن إنهم قادمون لإجراء عملية الكي.

فدخلنا وانتظرونا دورنا مع المنتظرين.

★★★★★

كانت رائحة الشواء الناتجة من كي الأجساد والرؤوس تلفح أنوفنا فتغرقنا في لحظات من الرجفة والرهبة والرعشة والنشوة.

فقال لي صديقي : أرأيت .. الجميع يأتي هنا للتخلص من أحلامهم .. وحرق أوهامهم .. ليبدأوا من جديد حياة سعيدة وخفيفة ورشيقة .. ويبنون أوهاما جميلة وجديدة.

★★★★★

وخزني الوسَّام بسيخه المتفحم بوخزتين في رأسي .. طارت فيهما كل أوهامي وتلاشت في الهواء كل أحلامي وآمالي .. فخرجت من عنده كما ولدتني أمي لا أعرف الفرق بين الوهم والأمل ، ولا أُمَيِّزُ بين الظلال والضلال!!.

فجاءني الأصدقاء المقربون والأحبة الحالمون ليطمئنوا على رأسي وأوهامي.

فأخبرتهم قصتي مع الاوهام وحكايتي مع الوسام ونصحتهم
بالذهاب إليه ليخلصهم من أوهامهم القديمة .. ويمنحهم احلاما عظيمة .. وآمال جديدة.

★★★★★

أيها الأحبة علّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الأوهام الأصيلة ، واحرقوا أوهامكم القديمة الصدئة .. وانسجوا أوهاما جديدة مزركشة .. فالأوهام البيضاء الناصعة الساطعة صديقة وفيّة ورفيقة رائعة في مشوار الحياة المليء بالخيبات .. المتخم بالهزائم والانكسارات!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى