الـمـمـرضـة الـصـالـحـة..
عـبـدالله الـفـارسـي
الـمـمـرضـة الـصـالـحـة..
لم تسعفنِ قريحتي المهلهلة المبعثرة في كتابة مقال حول واقعنا المتردي .. ولكن أسعفتني شاسة التلفاز بمتابعة فيلم جميل ولطيف وشيق ؛ لذلك سأكتب لكم عنه بعض السطور..
★★★★★
“الممرضة الصالحة” هو عنوان لفيلم مستوحىً من قصة حقيقية..
يتحدث الفيلم عن ممرضة متفانية في عملها ، لكنها تواجه عدداً من المتاعب والمشكلات..
الممرضة الصالحة..
The good Nurse..
إيمي : ممرضة تعمل في قسم العناية المركزة بإحدى المستشفيات الضخمة.
الممرضة مخلصة متفانية في عملها بشكل غير طبيعي ، وغير ملحوظ ، وغير ملموس أو مشاهد في واقعنا الصحي والحياتي.
ملامحها البسيطة النحيفة المشرقة الباسمة ؛ يؤكد لك من الوهلة الأولى بأن هذه المخلوقة كادحة ومخلصة.
★★★★★
الممرضة مطلقة ولديها طفلتان تعولهما ، وتعمل لساعات طويلة في المستشفى لكسب قوت يومها .. وطبعا قسم العناية المركزة هو من أصعب الأقسام في أي مستشفى ؛ فهو مصدر للقلق والتوتر والإرهاق لذلك كان القلق والإرهاق والتوتر رفقاء الممرضة الدائمين.
★★★★★
في زحمة عملها ، واشتداد ضغط العمل عليها أصابها بإرهاق دائم في قلبها فكان يخونها في كثير من الأحيان فتخر مغشيا عليها ؛ لذلك تعاونت معها مسؤولة التمريض ، وقامت بتوظيف ممرض مساعد لها.
(تشارلي كولن) .. ممرض خبير جاء في الوقت العصيب والمناسب بالنسبة للممرضة إيمي .. أو هكذا بدا الأمر لها.
(تشارلي) شخص غريب جدا ، هادىء جدا ، وبارد كالثلج .. يتكلم بهدوء ، وكلماته محدودة ، ويعمل بجهد كبير ، وبصمت غريب.
وقد أبدى رغبته في مساعدة إيمي وأظهر لها شهامته ونخوته في الوقوف معها وقت الشدة.
أعجبت إيمي بهدوء تشارلي دون أن يخطر في بالها إطلاقا بأن تحت هذا الهدوء شراسة وعنف ، وتحت هذا الثلج ؛ هناك نار ملتهبة ، وجحيم يفور.
لم تعتقد إيمي أبدا بأن هذا الرجل الهادئ الطيب الخدوم هو عبارة عن قاتل متسلسل يقتل ضحاياه بكل هدوء ورقة ومهارة وسلاسة.
مرت الأيام طبيعية وجميلة مع إيمي وطفلتيها وبدخول تشارلي في حياتها شعرت بالارتياح ، وتنفست الصعداء ووثقت في الحياة من جديد بعد أن غدرت بها كثيرا.
★★★★★
بعد حادث موت اثنتين من المريضات في قسم العناية المركزة ؛ بدأت إيمي تشك في الأمر ، ولكنها للأسف لم تشك مطلقاً في أن تشارلي له علاقة بهذا الوضع المفاجىء.
ولأنها ممرضة تتمتع بذكاء وسرعة بديهة ؛ لاحظت في تقرير فحص الدم للمريضتين بأن كلتاهما تناولتا الأنسولين ومادة أخرى ، وهذا لم يكن مقررا لهما ضمن جرعتهما الدوائية ، وتلك الجرعات البسيطة كانتا هما سبب الوفاة.
فبدأ السؤال يقرع رأسها : من الذي أعطى هذا الدواء لهاتين المريضتين الضحيتين ؟؟!!.
وبدخول محققان ماهران إلى المستشفى ومتابعة قضية وفاة المريضتين ؛ بدأت تنكشف بعض الأمور عن حقيقة الممرض تشارلي ، وبدأ البحث في ملفه السابق ، وهنا بدأ قلب إيمي يضرب بقوة وبدأت تفتح عينيها على اتساعهما ؛ حتى استطاعت اكتشاف صلته الوثيقة بوفاة المريضتين السريع.
★★★★★
عرفت إيمي من المحققين بأن تشارلي الهادئ ، البارد كالثلج ليس كذلك ، وأنه سبق أن طرد من 8 مستشفيات سابقة ولكن لم تتم إدانته بأي جريمة قتل.
ورغم هلع ايمي من تشارلي إلا إنها استطاعت الولوج إلى البرنامج الحاسوبي للمستشفى والعثور على أدلة تثبت تورط تشارلي في استخدام الأنسولين وتهريبه من مستودع الأدوية بطريقة ذكية واستخدامه في حقن المرضى بطريقة أكثر دهاءً وخبثاً.
المثير في الفيلم هو إخلاص الممرضة إيمي وسطوت جانبها الانساني والخيري على سلوكها والذي تغلب على خوفها وهلعها من تشارلي فوقفت بجانب المحققين لكشف حقيقة زميلها المجرم.
استطاعت الممرضة منهكة القلب المتعبة من عملها الخائفة على فقدان وظيفتها ومصدر رزقها أن تسيطر على كل أحاسيسها ومتاعبها .. فتجاوزت قوانين المستشفى وتعاونت مع المحققين وهي ترتجف خوفا وهلعا على طفلتيها من تشارلي الذي استطاع الوصول إلى بيتها والجلوس مع طفلتيها وكأن شيئا لم يحدث.
استطاعت ايمي مقاومة الخوف من تشارلي ومن إدارة المستشفى فهي الممرضة الوحيدة في المستشفى التي تعاونت مع المحققين من أجل الحقيقة واستطاعت في النهاية انتزاع اعتراف ثمين من تشارلي بمقتل عشرات المرضى في مسيرة مهنية عبثية مثيرة للجدل والغرابة.
★★★★★
الفيلم يقدم لنا شخصيتين متناقضين تماما .. شخصية رقيقة مخلصة خيرة رحيمة.
شخصية إيمي الممرضة الصالحة والذي طغى الخير على روحها والتي كانت تستمتع بالأشياء البسيطة الشحيحة من المتعة والسعادة التي تمنحها لها الحياة بتقسيط مبتسر وضيئل.
وشخصية تشارلي القاسية العنيفة المريضة نفسيا و المثيرة للجدل العجيبة والغريبة واداء المثل لهذا الدور بكل احترافية واتقان.
ممرض ماهر ذكي جدا يلبس لباس الملائكة يقتل مرضاه الأبرياء بكل هدوء وهو يبتسم.
★★★★★
بغض النظر عن جرائم الممرض تشارلي متناهية الدقة والدهاء فهنا أيضا لدينا جرائم سببها الجهل والغباء.
وهناك كثيرون من أمثال تشارلي يلبسون البياض ويتوشحون بالجمال والأناقة ولكنهم يقتلون العشرات من الناس في لحظة واحدة ليس بحقنة انسولين زائدة بل بجرة قلم صغيرة تافهة.
★★★★★
فمهما اختلفت الوجوه وتعددت الطرق و اساليب قتل البشر فالموت واحد.
★★★★★
الفيلم يرسل لك رسائل مكثفة ومركزة وواضحة بالانضباط التام في كل شيء.
انضباط الممرضين
وانضباط الاداريين في المستشفى.
وانضباط المحققين في تحقيقاتهم.
عالم متكامل من الدقة والانضباط والإخلاص نفتقده للأسف في كل مؤسساتنا.
★★★★★
الفيلم رائع جدا ويستحق التسمر والبحلقة والمشاهدة.