بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

حين يُضيئك الانطفاء..

ياسمين عبدالمحسن إبراهيم

المدير التنفيذي لشركة رواق الابتكار
مدربة في مجال اكتشاف وتطوير المهارات
مهتمة بمجال تطوير الأعمال

 

لم يكن أحدٌ يعرف اسمه، ولا هو كان معنيًا بأن يُعرَف.
كان “أحدهم” فقط… يمرّ بين الناس كظلٍ بلا صوت، يسير في الشوارع كأنه يتجنّب أن تُحدث قدماه ضجيجًا في حياة الآخرين. لم يكن غريبًا تمامًا، ولا مألوفًا بما يكفي ليُفتقد؛ لكنه كان يحمل شيئًا في عينيه، يشبه المسافة بين الانطفاء والانبعاث.

لم يكن الظلام الذي سكنه خارجًا، لم يكن انقطاعًا في التيار أو غيابًا للشمس؛ كان عتمةً من نوعٍ آخر، أكثر حدّةً، لأنها لا تُرى؛ تلك التي حين تسكنك، تظن أنّ الضوء أسطورة خُدِع بها الأقوياء.

لكنه ذات مساء، حين كان كل شيء في داخله يتداعى، لمح شرارة لم تكن نورًا، بل فكرة؛ فكرة تقول :
“وماذا لو لم يكن هذا الظلام عدوًّا ؟ ماذا لو كان هو الامتحان؛ لا العقوبة؟”
لم يُجِب. فقط ظلّ يتأمل السؤال، كأن فيه خلاصًا لا يبوح به إلا لمن صمت طويلًا.

حينها، بدأ يتغير شيءٌ صغيرٌ لا يُرى. لم يكن يرى الجدران أقرب، ولا الأبواب تُفتح، ولا السماء ترقّ. لكنه بدأ يرى نفسه، كما لو أنّ العتمة قد جرّدته من كل ما هو زائف، ولم تترك له سوى صورته الحقيقية، دون زينة، دون مجد مؤقت؛ فقط هو، بشكله الهشّ، الخام، المتعب… والصادق.

اكتشف أن المشكلة لم تكن هي المشكلة؛ بل علاقته بها.
كل ما كان يسمّيه “انطفاءً”، لم يكن سوى لحظة توقّف ليسأل :
“إلى أين أركض ؟ ولماذا ؟ ومن الذي أبحث عنه حين أهرب منّي ؟”.

وحين أدرك أنه لم يكن تائهًا بل كان يَعبُرُ نفسه، عرف أن الطريق لم تضِع؛ بل كانت تختبر صبر العابر؛ الأرض لا تُضيّع من يمشي بثبات، حتى لو تعثّر، والخريطة ليست خارجك، بل في الطريقة التي ترى بها الفوضى، وتقرأ بها الفراغ.

أحدهم… لم يخرج من الظلام كما يخرج الناجون؛ بل تعلّم أن يسكنه دون أن يضيع، أن يصادقه دون أن يُطفَأ.
لم يكن بطلًا، ولم ينجُ بالمعنى المعروف؛ لكنه فهم :
أن النور لا يعني الغلبة، بل الإدراك،
وأن المشاكل لا تُحَلّ دومًا، بل تُفهم، وأنك إن لم ترَ نفسك في مكان تستحقه؛ فلن يراك أحد هناك.

في نهاية الحكاية، لم يتغيّر العالم من حوله؛ لكن شيئًا ما تغيّر في عينه… صار يرى النور؛ لا لأنه عاد، بل لأنه لم ينطفئ يومًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى