
القيمة ببراءة الاختراع لا بكمية النفط
الدكتور/ عدنان بن أحمد الأنصاري
محلّل سياسي ، ودبلوماسي ، وسفير سابق
إذا لم ينهض العالم العربي والإسلامي اليوم بمشروعٍ موحّدٍ للعلم والتقنية والمعرفة، فسيجد نفسه بعد عقدٍ واحدٍ خارج التاريخ.
نحتاج إلى صناديق سيادية عربية وإسلامية تتجه نحو الذكاء الاصطناعي، والرقائق، والطاقة النظيفة، والأمن الغذائي، بدلاً من الأسواق العقارية في الغرب.
ونحتاج إلى سوق عربية-إسلامية موحدة في مجالات الطاقة والتقنية والبيانات.
هذا التكامل هو السور الحقيقي ضد التبعية الاقتصادية.
ولهذا يجب على الدول العربية والإسلامية أن تُنشئ تحالفًا معرفيًا-صناعيًا عابرًا للحدود، يربط بين التمويل الخليجي، والعقول الآسيوية، والموارد الإفريقية، والموقع الجيوسياسي العربي.
إنها فرصة قرنٍ كامل – إمّا أن نغتنمها، أو نغرق في هامش التاريخ. ولذلك فالمطلوب ليس فقط “أن نواكب الركب”، بل أن نعيد تعريف اتجاهه.
فلم تعد المساحات الجغرافية أو الجيوش الكلاسيكية هي التي تحدد مكانة الأمم، بل أصبحت المعرفة، والعقل، والقدرة على الابتكار هي المفاتيح الجديدة للسيادة.
من لا يصنع مستقبله، يُصنع له مستقبل لا يريده.
فإن القوة في القرن الحادي والعشرين تُصاغ في ميادين جديدة :
1.الذكاء الاصطناعي (AI).
2.تكنولوجيا النانو.
3.التكنولوجيا الحيوية.
4.الرقائق الإلكترونية الدقيقة (Semiconductors).
5.البطاريات المتقدمة والطاقة النظيفة.
6.الحوسبة الكمية (Quantum Computing).
هذه المجالات الستة هي ميادين السيادة الجديدة.
من لا يدخلها اليوم سيُستبعد غدًا من أي معادلة قوة.
فالقوة بلا قيم تنقلب إلى طغيان، والقيم بلا قوة تبقى مثالية عاجزة.
والعلم بلا أخلاق يولّد الاستبداد، والقيم بلا علم تظل عاجزة.
إن العالم اليوم، يبحث عن توازن جديد بين السلطة والشرعية.
ودورنا أن نعيد هذا التوازن من خلال نموذج حضاري يجمع بين الفعالية المادية والرسالة الأخلاقية.
فنحن نقتني رأس المال المالي؛ بينما نفتقر إلى رأس المال المعرفي.
نستثمر في منظومات الآخرين بدل بناء منظومتنا التقنية المستقلة.
ولذلك لا نزال مستهلكين في عالم تُقاس فيه القيمة ببراءة الاختراع لا بكمية النفط.
وتحويل البترودولار إلى “تكنودولار هو التحدي الحقيقي.
هل سنظلُّ مستهلكين لأفكار الآخرين وتكنولوجياتهم؟ أم سنستعيد زمام المبادرة ونبني نموذجًا حضاريًا جديدًا؟
إنّ القرن الحادي والعشرين لن يرحم المترددين؛ فالقوة لم تعد تُقاس بعدد الدبابات بل بعدد العقول والبراءات والمختبرات.
لدينا موارد نادرة وإمكانات كبيرة، لكننا نفتقر إلى منظومة اقتصادية تحوّلها إلى قوة فاعلة.
لقد أغنانا الله بالمال والإمكانات، لكننا ما زلنا نُموّل اقتصاد الآخرين.
“نملك رأس المال والإمكانات، لكننا نواصل استثماره في منظومات الآخرين،
لذالك، ندور في فلك من يصنع لنا أدواتنا، ويحدّد مصيرنا الاقتصادي والسياسي.