بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الضمان الاجتماعي حق انساني في استحقاقه ومقداره..

الدكتور/ سعيد بن عبدالله المعشري

محام ومستـشار قانوني

 

الضمان الاجتماعي حق انساني في استحقاقه ومقداره..

 

يعرف الضمان الاجتماعي (Social Security) على أنه نظام اجتماعي تكافلي يهدف إلى مواجهة كل أو بعض المخاطر الاجتماعية التي تواجه الفرد، ولذلك كانت بداية نشوء فكرة هذا النظام بمفهومه الحديث في المجتمعات الأوروبية بهدف ضمان تحقيق العدالة الاجتماعية في المعيشة بين افرادها، وذلك في ظل الأثار التي خلفتها الحروب العالمية الأولى والثانية والأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية والتطورات الصناعية التي شهدتها أوربا والتي أدت إلى زيادة بناء المصانع الإنتاجية مما جعل العامل لبنتها الأساسية ومحرك تشغيلها الدائم، وعلى الرغم من أهميتها في تحقيق الرخاء الاجتماعي سواء في زيادة فرص العمل وتحسين دخل الفرد وتنوع سبل معيشته، ألا أنها كانت أيضاً سبباً في زيادة المخاطر المهنية والاجتماعية نتيجة زيادة معدلات الوفيات والاصابات بين العاملين بها مما أدى إلى زيادة الفقر والعوز في مجتمعاتها نتيجة فقد الفرد للمقدرة على الكسب بسبب العجز أو التعطل عن العمل وكذلك هو الحال بالنسبة للأسر التي تدخل في دوامة العوز نتيجة تعطل أو فقد مُعيلها. 

ولهذا حظيت فكرة الضمان الاجتماعي باهتمام دولي بالغ بعد أن اعتبرت جزء رئيس من حقوق الانسان باعتبارها أحد الحلول الناجعة في معالجة الأوضاع الإنسانية لأفراد المجتمعات الإنسانية بدول العالم من أجل ضمان الحد الأدنى لمعيشتها، ولذلك أوجدت كقاعدة قانونية بالقانون الدولي بموجب اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي رقم (102) لتُحث الدول للعمل بموجبها، والتي أقرت خلالها عدد من المعايير والمقترحات للدول الأعضاء بها، منها توفير الرعاية الطبية للأشخاص المحميين التي تقتضي حالتهم توفير الرعاية الطبية لهم من النوع العلاجي والوقائي وتوفير أعانة للمرضى منهم، وتقديم إعانة للبطالة والشيخوخة واصابة العمل والعائلة والأمومة والعجز واسر المتوفين بتقديم مدفوعات دورية لهم وفق المعايير الحسابية المحددة بموجب الاتفاقية، وبالتوصية للدول بضرورة مراجعة معدلات المدفوعات الدورية المتعلقة بالشيخوخة وإصابات العجز والعجز ووفاة عائل الأسرة عقب أي تغييرات جوهرية في المستوى العام للدخول أو أي تغييرات جوهرية في تكاليف المعيشة.

ومع تولد فكرة الضمان الاجتماعي عالمياً على أنها حق انساني يقضي بتوفير الحياة الكريمة للفرد، وفي ظل نشوء هذه الفكرة انطلاقا من أوربا أدى إلى تأسيس الرابطة الدولية للضمان الاجتماعي ISSA)) للاستجابة الجماعية للعمال الصناعيين الأوروبيين في القرن التاسع عشر للمرض والبطالة والإعاقة والشيخوخة، فأن بعد مرور عقوداً من الزمن على تأسيس هذه الجمعية توسعت لتصبح جمعية عالمية، تضم العديد من مؤسسات الضمان الاجتماعي من مختلف دول العالم، لتضطلع بالعمل مع هذه المؤسسات لمواجهة التحديات الاجتماعية الهائلة التي يواجهها العالم، وتعزيز الضمان الاجتماعي في دول العالم لتحقيق العدالة الاجتماعية بين أفرادها.

فأن السلطنة قد خطت نحو ذلك بعد التحولات الاقتصادية الاجتماعية التي شهدتها منذ بزوغ نهضتها المباركة في عام 1970م، وبهدف تحقيق الرخاء الاجتماعي سعت إلى تبني الأدوات والأنظمة المتطورة عالمياً منها نظام الضمان الاجتماعي، وبناء عليه قد صدر قانون الضمان الاجتماعي بموجب المرسوم السلطاني رقم (٦١ /٧٧)، ثم الغي هذا القانون بموجب المرسوم السلطاني رقم (٨٧ / ٨٤م) ليستبدل بقانون جديد، ومن ثم تم تعديله بموجب المرسوم السلطاني رقم (٤٨/ ٢٠٠٩م)، الذي حددت الفئات المستحقة للمعاش بموجب المادة (1) من القانون هي: (أ) الأيتام. (ب) الأرامل. (ج) المطلقات. (د) البنات غير المتزوجات. (هـ) العاجزون. (و) من بلغ سن الشيخوخة. (ز) المهجورات. (ح) أسر المسجونين. وللوزير بقرار منه تعديل تلك الفئات حسب مقتضيات الحال بالتنسيق مع الجهات المالية، ويقتصر الانتفاع بهذا القانون على المواطنين العمانيين وأسرهم، ويراعى في جميع الأحوال عدم وجود مصدر كاف للمعيشة، أو المعيل الملزم القادر على النفقة.

وما يلاحظ في الآونة الأخيرة ما سببته الازمات المتوالية سواء كانت اقتصادية بسبب تقلبات أسعار النفط والازمات المرتدة بفعل الأزمات الاقتصادية في الدول الاقتصادية الكبرى أو جائحة كرونا تفاقمت أوضاع الفئات المنضوية تحت برنامج الضمان الاجتماعي مما جعل من مقدار المدفوعات المعاشية التي يقدمها هذا البرنامج لا تتناسب مع الأوضاع المعيشية لها، وهذا يتعارض مع غاية وهدف البرنامج في تحقيق الحد الأدنى المعيشي للفرد ليتمكن من الوفاء بمتطلباته المعيشية بما يتوافق مع تكاليف المعيشة ومستوى الدخول السائدة.

وبحسب القانون فأنه يبدو أن تمويل برنامج الضمان يكون من الخزانة العامة للدولة، وهذا يجد صعوبة في إعادة النظر في المدفوعات المقدمة لهذه الفئة على شكل معاش بحسب ما هو وارد بالقانون خاصة في ظل الازمات الاقتصادية، وعلى الرغم أن التزام الضمان الاجتماعي هو التزام ملقى على الدول اتجاه رعاياها بموجب القانون الدولي إلا أنه تفاديا للأزمات التي يمر بها العالم التي انعكست أثارها على العديد من الدول منها السلطنة مما جعلها غير قادرة للوفاء ببعض التزاماتها وقتياً، ولتفادي هذه الاثار على هذا البرنامج يكون من المناسب ومن الأهمية إعادة بناء هذا النظام كبرنامج قائم بذاته بتمويلات متعددة خاصة به لتكون مصدرها الرئيسي الخزانة العامة للدولة إلى جانب المصادر الأخرى كالتبرعات والاستثمارات والزكاة والصدقات، ومع الأهمية بإعادة النظر في مقدار المدفوعات المعاشية بأن لا تكون ثابتة، بل تتحرك صعوداً مع نسب التضخم في أسعار السلع والخدمات لضمان كفايتها بما يحقق الاستقرار وضمان العيش الكريم لمستحقيها.

ومن الأهمية البالغة بمكان اتباع قاعدة “لا تعطيني سمكة لكن علمني كيف اصطادها” ضمن خطط هذا البرنامج أي ألا يقتصر في تقديم المساعدات النقدية والعينية أنما يتعدى إلى المساهمة في جعل هذا الفئات الخاضعة لهذا النظام فاعلة في المجتمع أن تمكنت بظروفها الجسدية والصحية أن تساهم في ذلك، وهذا يتم من خلال خلق فرص عمل لها بعد خضوعها للتأهيل الأكاديمي والمهني لجعلها متمكنة من دخول سوق العمل وتذليل لها العقبات الإدارية والفنية لتحقيق ذلك لضمان مدخولاً لها يفي بكامل متطلباتها المعيشية.

تعليق واحد

اترك رداً على ماجد بن رمضان إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى