
الجميع يريد أن يحكم العالم
عيسى بن سالم بن علي البلوشي
مستوحىً من رؤية راي وانغ – Ray Wang في كتابه Everybody Wants to ” Rule the World”
حين ننظر حولنا في هذا العالم المتسارع، نكتشف شيئًا مشتركًا بيننا جميعًا رغبة في أن نؤثر، أن نُسمَع، أن يكون لنا مكانٌ في هذا الزحام الكبير.
كل إنسان، في أعماقه، يريد أن يحكم العالم بطريقته الخاصة.
قد لا يريد عرشًا أو منصبًا، لكنه يريد أن يشعر أن حياته تصنع فرقًا، أن وجوده يحمل معنى.
لكن .. ما معنى أن تحكم العالم؟
هل هي السيطرة؟ أم الشهرة؟ أم امتلاك القرار؟
الكاتب راي وانغ يجيب في كتابه أن الحكم ليس أن تفرض إرادتك على الآخرين، بل أن تتعلم أولًا كيف تحكم ذاتك.
أن تضبط انفعالك حين يشتد الغضب. أن تختار الصدق حين يكون الكذب أسهل.
أن تسامح رغم الجرح، وتنهض رغم السقوط، وتُكمل الطريق بثبات حين يتراجع الجميع.
ذلك هو الحكم الحقيقي حكم النفس، لا حكم الناس.
نحن اليوم نعيش في زمنٍ تتغير فيه مفاهيم القيادة. لم تعد القيادة مجرد قرارات من الأعلى إلى الأسفل، بل أصبحت قدرة على التأثير الإيجابي، على بناء الثقة، على تحريك القلوب قبل العقول.
ومن أراد أن يقود الآخرين، فليبدأ أولًا بقيادة نفسه.
فالقائد الذي لا يستطيع أن يحكم ذاته، لا يستطيع أن يحكم جماعة، ولا أن يلهم أمة.
انظروا حولكم…
كم من أمٍّ تُربي أبناءها على القيم الصادقة، فتبني وطنًا دون أن تُدرك؟
كم من معلّمٍ يغرس في طلابه الإخلاص بدل الحفظ، فيصنع جيلًا من القادة دون أن يُلقَّب قائدًا؟
كم من عاملٍ يؤدي عمله بإتقان، فيضيف للحياة جمالًا دون أن يُصفّق له أحد؟
هؤلاء جميعًا يحكمون العالم، كلٌّ بطريقته، لأنهم يحكمون أنفسهم أولًا.
ليس الحكم أن تملك الآخرين، بل أن تملك قرارك.
ليس المجد أن يذكرك الناس بصوتٍ عالٍ، بل أن تبقى في قلوبهم بصمت.
إن الإنسان الذي يتقن فن التوازن بين قلبه وعقله، بين قوته ولطفه، بين طموحه وتواضعه هو من يحكم العالم حقًا، ولو لم يجلس يومًا على عرش.
احكم نفسك قبل أن تحكم العالم، فالعالم لا يُقاد بالقوة، بل بالوعي.
والقلوب لا تُفتح بالأوامر، بل بالرحمة.
ومن وجد سلامه الداخلي، أصبح للعالم مصدر سلام.













