بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

وحدة الدلالة في المثل الشعبي العربي

د. محمد السيد يوسف لاشين

أستاذ علم النقد الاجتماعي والتفكير الناقد

 

 

يُعدّ المثل الشعبي أحد أبرز أشكال التعبير الثقافي في المجتمعات العربية، إذ يمثّل خلاصة التجربة الإنسانية المتراكمة، ويُجسّد رؤية الجماعة للحياة والإنسان والقيم. وقد أولى العلماء العرب، قديمًا وحديثًا، اهتمامًا كبيرًا بالأمثال، وعدّوها “ديوان الحكمة” و”لسان الأمة”.

وتكشف الدراسة المقارنة للأمثال الشعبية في الأقطار العربية عن ظاهرة لافتة، وهي وحدة المعنى واختلاف الصياغة، بما يدل على وحدة العقلية العربية رغم تنوع البيئات واللهجات.

في مقالي هذا أسعى إلى إبراز هذه الوحدة من خلال نماذج مختارة من الأمثال الشعبية في سلطنة عُمان، ومقارنتها بمرادفاتها في العراق ومصر.

لذلك نعرج أولا على تعريف المثل الشعبي في التراث العربي وقد عرّف أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224هـ) المثل بقوله:المثل حكمة العرب في الجاهلية والإسلام، يُشبَّه به الحال بالحال، ويُعرف به الشيء بنظيره».

كما أفرد الميداني (ت 518هـ) كتابه الشهير مجمع الأمثال لجمع الأمثال العربية، مؤكدًا أن المثل «أوجز القول وأبلغه».

ويؤكد ابن خلدون في المقدمة أن الأمثال تعكس “طبائع العمران وأخلاق الأمم”. وما هو جدير بالذكر تُجمع الأمثال العربية على تمجيد العقل العملي والقدرة على التدبير: في سلطنة عُمان: «يسوّي من القليل كثير» يدل على حسن التصرف واستثمار الإمكانات المحدودة. في العراق: «يسوّي من الهوا دوا» أي يصنع الحل من العدم. في مصر: «يعمل من الفسيخ شربات» وهو تعبير مجازي بالغ الدلالة على قلب الرديء إلى نافع.

هنا تلاحظ كيف تختلف الصور البلاغية (القليل – الهواء – الفسيخ)، لكن القيمة واحدة، وهي الدهاء الإيجابي، وهي سمة لازمت المجتمعات العربية التي واجهت قسوة الطبيعة وضيق الموارد. وفي نموذج آخر يحذّر المثل الشعبي العربي من التسرع: في سلطنة عُمان: «اللي يستعجل، يتعثر»، في العراق: «العجلة من الشيطان» (وهو مثل فصيح دارج)، في مصر: «اللي يستعجل الحاجة قبل أوانها، يندم» وهنا نلاحظ كيف يتقاطع هذا المعنى مع معنى الحديث النبوي: التأني من الله، والعجلة من الشيطان»وهو ما يفسّر شيوع هذا المعنى في مختلف البيئات العربية.

ومن القيم المركزية في العقل العربي الإيمان بالعدالة:في سلطنة عُمان: «كما تدين تُدان»، في العراق: «اللي يزرع شوك، ما يحصد عنب»، في مصر: «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها»

وتؤكد هذه الأمثال ما أشار إليه الجاحظ في البيان والتبيين من أن العرب «تُكثر ضرب الأمثال لتقرير المعاني في النفوس».

بالنهاية تُظهر هذه النماذج أن المثل الشعبي العربي، رغم تنوع لهجاته وصوره، يصدر عن منظومة قيم واحدة:الصبر، الحكمة، العدل، حسن التدبير، وتجربة الحياة الواقعية. وهو ما يؤكد أن الاختلاف اللفظي لا يلغي وحدة الدلالة، وأن الأمة العربية تشترك في وجدان ثقافي واحد، عبّرت عنه شفهيًا عبر القرون.

وبذلك يبقى المثل الشعبي وثيقة ثقافية حية، تصل الماضي بالحاضر، وتؤكد أن وحدة الروح العربية أعمق من حدود الجغرافيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى