أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

صِـرَاعُ ‬الْأَجْـيَـالِ !!‬‬‬..

عـصام بن محمـود الرئيـسـي

كاتب، ومؤلف سلسلة كتاب مختارات من البروتوكول والإتيكيت

 

صِـرَاعُ ‬الْأَجْـيَـالِ !!‬‬‬..

 

هنالك والدٌ يشتكي من أبنائه وابن يشتكي من والديه بسبب اختلاف في الفكر والرأي في بعض المواضيع الخاصة المتعلقة بالجانب العائلي والنظرة الى الحياة، وينشب صراعٌ بين الأطراف بسبب ذلك الاختلاف وتحدث فجوةٌ بين الجميع، الأب ينظر إلى فكر أبنائه على أنه فكر مرفوض ومدعاة للسخرية ،بينما يراه الأبناء أمرًا طبيعيًّا ومنطقيًّا في هذا العصر، ويرى أنَّ والديه يعيشون الماضي ويتحسرون عليه وهو يعيش الحاضر وينظر للمستقبل، هذا الصراع كما هو معروف أزليٌّ بن الأجيال ،وهو نتيجة حتمية للتطور الاجتماعي البشري والتغيرات التي تطرأ على نمط الحياة مع تقدم الزمن والتطور التكنولوجي والتقني بالذات.

وتظهر في هذا التقاطع مسؤوليةُ الوالدين ووسائل الإعلام المختلفة لتخفيف هذه الفجوة حتى يمرَّ الجيل بأمان وسلام إلى المستقبل المتغير حاملا معه رسالة مقدسة من أجل أمة وجيل قادم، محب لدينه ومجتمعه مُغلَّفٍ بإرث من الثوابت التي لا يمكن الحياد عنها متغاضيا عن صغائر الأمور والجوانب الثانوية التي لا تَمُتُّ بصلة إلى هُويَّتِه الوطنية والتي لا تناسب عصره.

في هذا المقال بإذن الله تعالى سوف نتناول موضوع الصراع بين الأجيال بسبب التغيرات السريعة المصحوبة بعناصرها التقنية والمادية والمعنوية والتي أدَّتْ إلى تغير المفاهيم وأساليب الحياة الجديدة.

ويقول الْإِمَامُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ : (رَبُّوَا أَوْلَادَكُمْ لِزَمَانٍ غَيْرِ زَمَانِكُمْ). إن من طبيعة الحياة أن الأجيال تتوالد وتتكاثر وهذا أمرٌ من الثوابت ومن سنن الحياة ، ولكنَّ إيقاع الحياة لكل جيل هو الذي يختلف عن سلفه ، وهو أمر طبيعي ، والخلاف أمر مفروض ضمن السياق الاجتماعي المتغير، والسلف يورث الخلفَ عاداته وتقاليده ومعتقداته وقيمه، وقد يقبلها الخلف، وقد يرفض بعضًا منها نتيجة للتباينات والاختلافات في الآراء والمواقف ؛ فإيقاع الحياة هو المختلف، وهنا يظهر الصراع بين الأجيال بين رافض لقيم معينة ومَنْ يراها غير مناسبة لعصره سوى البعض منها، فالخلاف خلاف طبيعي ،ولابد أن نتقبله بصدر رحب ،وعلينا أنْ نبحث عن الوسائل المناسبة لفتح الحوار مع الأجيال الجديدة بعيدا عن الصراع العنيف والتهكم عليهم واستخدام لغة قد تزعجهم ويذهبون بعيدا عنا للبحث عمن يحاورهم بعقلانية، مما قد يؤثر في علاقاتنا الأسرية معهم و يسبب ضعف كيان الأسرة وهيبتها الاجتماعية.

إن سرعة وتيرة التغيرات في الجوانب المادية والمعنوية والتي أدَّتْ إلى اختلاف أساليب الحياة الجديدة بما تحمله من طفرة تقنية هي من أهم أسباب صراع الأجيال، ولكن لا بد من أنْ نتكيف معها للمحافظة على موروث من حضارة بذلت جهودًا مضنية حتى رأت الوجود ، ولا بد أنْ يكون هناك توازنٌ في التعاطي مع هذا المفهوم الجديد للحياة لتحقيق التوازن والتكيف الإيجابي.

تشعر الأجيال الشابة براحة أكبر مع الأفكار الثقافية الجديدة والتي قدمتها لهم التقنية بكل وسائلها المتاحة، لأنهم لم يكبروا مع الأقدم منها ، بل كبروا ونموا مع التطور التقني الذي صاحبهم في سنوات عمرهم؛ فالصراع جزء من الحياة ، لكن فهم كيفية التعامل مع الصراع يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا بين العَلاقات المتوترة أو الإيجابية منها.

إن من الطبيعي أنَّ تلك المتغيرات تُغيِّرُ من شخصية الفرد انطلاقا ممَّا دخل في معظم جوانب حياته من تحولات قد تكون إيجابية أو سلبية ،وهنا يظهر الجدال بين الآباء والأبناء ،وتظهر فجوة يحاول الطرفان فيها أن يقنع الآخر بفكره ونظرته ، وتنصب في الأفكار والأهداف والطموحات ، ويتخللها صراع قد يكون خفيا أو معلنا ،وقد يصاحبها انعزال أو تكامل بين الأجيال، إلا أنَّ هذا الجدال ظاهرةٌ صحية وطبيعية ومرتبطة بطبيعة البشر والمجتمع بشكل عام خلال مسيرته الحياتية .إن من الخطوات المهمة التي لا بد أنْ نضعها في الاعتبار لتخفيف الصراع الذي يمكن أن يحدث بين الأجيال من خلال حواراتنا معهم ما يلي :

– لا بد أن نعترف بحقيقة التغيرات في كل جيل يأتي ، وأن له خصائصه وقناعاته تميزه عن غيره من الأجيال الأخرى، وله طبيعة ينبغي التعامل معها بعقلانية، ولا بد أن نتفهم ذلك جيدا ونقبله على هذا الأساس ونتحاور مع الجيل بطريقة منطقية وبأسلوب مقنع وخاصة في نقاط الاعتراض والاختلاف.

– على الرغم من خطاب الجيل الجديد والذي يمكن أن يزعجنا بعض الشيء ، إلا أننا في الواقع مرتبطون بعمق مع الجيل الجديد، وعلينا رسالة يجب أن نؤديَها بكل صدق ومسؤولية تجاههم لا أن نهملهم ونشيح بوجوهنا عنهم ونتركهم لثقافات أخرى تنهش في أفكارهم ؛فنحن نحب آباءنا وأجدادنا معا وبنفس المقدار، وعلينا أن نحرص على تلقيهم كل الدعم من جانبنا.

– الحوار الهادئ من الأساليب المهمة في الوصول إلى قناعة عما يدور في أذهاننا ،وهو أسلوب ناجع بكل المقاييس.

– على الوالدين استخدام بلاغة الإقناع للأبناء بواسطة أدوات قوية تؤكد وترسخ المفاهيم الثابتة من قيمنا وعاداتنا.

– بما أنَّ هذا الجيل محاط ٌبالتقنيات المختلفة بما فيها العالم الافتراضي ،فإنه من الطبيعي أن نلاحظ التغير في بعض من أفكاره ؛لهذا ينبغي أن نزرع فيه العزة الإيمانية، يعني الاعتزاز بالإسلام والوطن والاعتزاز بالسلف الصالح، ولا بد أن نزرع فيه أيضا الاعتزاز باللغة العربية.

وعلى الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى