أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

أنا لم أترك المؤسسة ولكنني تركت من يديرها !!..

عـصـام بن محمـود الرئيـسـي

مدرب، ومؤلف سلسلة كتاب “مختارات من البروتوكول والإتيكيت”

 

أنا لم أترك المؤسسة ولكنني تركت من يديرها !!..

 

أخونا ناصر يعمل موظفاً في إحدى المؤسسات الناجحة ، وقد تعلق كثيرا بها ، وكنت قد التقيت به في وقت سابق وذكر لي بأنه ترك العمل في المؤسسة ، وعندما سألته عن السبب لتركه العمل في المؤسسة ؛ أجاب : أنا لم أترك المؤسسة ، ولكنني تركت المدير الذي يدير المؤسسة ، وذلك بسبب الانتقاد المستمر والدائم لي في كل صغيرة وكبيرة ، وبطريقة مهينة في بعض المواقف ؛ حيث كان ذلك عائقاً في عدم قدرتي على تحقيق أي تقدم وظيفي ، أو أن اكتسب أي مهارات جديدة في عملي بسبب انزعاجي المستمر، وقد أتعبني ذلك نفسيا.

أعزائي : (أنا لم أترك المؤسسة ولكنني تركت المدير الذي دائم الانتقاد) جملة نسمعها مراراً وتكراراً في الأوساط المهنية ، وأثبتت صحتها في العديد من المواقف التي يسردها الموظفون.

اليوم هنالك من المديرين من السهل عليهم نقد موظفيهم بطريقة وأسلوب غير حضاري ، ولو بكلمة لاذعة معدة للإطلاق على طرف ألسنتهم ، وكأنهم يشعرون بالتفوق على الآخرين ، ولكي يوحون أيضا للجميع بأنهم أصحاب سلطة في المؤسسة ، هؤلاء المديرين لا يتركون أي شيء يمر بدون نقد ؛ لقد تطبعوا بهذا الأمر ، ويستغلون ويبحثون عن كل فرصة لانتقاد ما يقال أو يفعل ، وينتقدون أيضًا من يصمت ومن يقف مكتوف الأيدي بعيدا عن شرهم ، لأنهم يسعون ليس في تقديم المساعدة والتصحيح ، ولكن لتأكيد رأيهم المتشدد وهشاشتهم العاطفية ، وإسقاط معاناتهم النفسية المحبطة على الآخرين.

لهذا يجب على مدير المؤسسة المحافظة على موظفيه وعدم تركهم يغادرون المؤسسة بكل بساطة ، وعليه أن يتعامل مع موظفيه بكل احترافية في جانب الإنتقاد الوظيفي.

وإليك عزيزي مدير المؤسسة بعضاً من الإضاءات التي تساعدك على التعامل وانتقاد موظفيك بكل لطف وود :

– لا تأخذ الأمر على محمل شخصي ؛ حيث إن فصل النقد عن سياقه الشخصي هو مهارة ذهنية قيِّمة لا بد وان تدركها جيدا.

– حدد عيوب الموظف وأوضحها له بشفافية وبدقة مع البراهين.

– لا تختبئ وتهرب من الموظف بإطلاق كلمات انتقاد لاذعة وتمضي ؛ بل واجه الموظف بكل ثقة بعيوبه ، وتجنب النقد المتكرر والدائم.

– فكر في مستقبل المؤسسة قبل مغادرة الموظف وهو مستاء ولا تتركه يغادر المؤسسة بكل بساطة ، بل تناقش معه واطرح الحلول المناسبة.

– شارك الاختصاصيين من الموارد البشرية لحل مشاكل الموظف.

– وجِّه نقدك إلى الموظف بدون تجريح ، واجعله نقداً بنّاءً ، وحافظ على علاقاتك بموظفيك باحترام وتقدير ، ولا تنسَ بأن الطبيعة البشرية تبحث عن التقدير والاحترام لذواتهم.

– حافظ على رباطة جأشك ، وامتنع عن مقاطعة الموظف ، واعطِه الفرصة الكافية لتوضيح وجهة نظره في نقد يوجَّه له ؛ حتى تكون قراراتك أكثر وضوحًا ، وهذا يتيح الفرصة أيضا للموظف أن يفهم شخصيتك وطباعك لكي يُحَسِّن من عمله وتعامله معك.

– لا تنتقد الموظف بأسلوب مباشر ؛ حيث إن هذا الأسلوب يجعله يشعر بالإحراج الشديد ، ويمكن أن يدخل في حالة من الهجوم ، ولذلك يفضل اتباع طريقة راقية في النقد بدون التسبب فى إيذاء مشاعر الموظف ، بل إبدأ بتقديم مجاملة رقيقة ومحفزة قبل توجيه النقد ، مع توجيه ملاحظة إيجابية أخرى وسماع نقد بين جملتين محفزتين يساعد الشخص على تقبل النقد بصدر رحب.

– عند توجيه النقد للموظف يفضل دائما التحدث معه باحترام ، والحفاظ علي كرامته ، وهذا يتطلب أن يكون النقد بينك وبينه وليس أمام زملائه الموظفين ؛ لكي لا تتسبب في إحراجه ، وبالتالى يفقد النقد هدفه وهو إصلاح سلوك الموظف ، ولا بد أيضا عند تقبله للنقد أن تعزز سلوكه الإيجابي وتحفيزه على الاستمرار ، واعترف له بجهده أمام الاخرين.

– لا تجعل من النقد الدائم للموظف إيجاد حالات من النزاعات المعقدة بينك وبين الموظف ، ولكن عليك في تحويل تلك الحالات إلى فرص للنمو الشخصي للموظف ونمو المؤسسة.

– لا تطلق الإنتقاد لموظفيك وأنت غاضب ومرهق من ضغط العمل ؛ بل عليك تأجيل ذلك إلى وقت آخر.

– لا تتورط مع الموظف في نقاش طويل دون سبب واضح.

وأخيرا عزيزي مدير المؤسسة نحن لا نعيش في “المدينة الفاضلة” ؛ فالموظفون يخطئون ، وأنت تخطئ ، والجميع يخطئ هذه سنة الحياة ، ولكن لتعديل المسار لا يمكن أن يكون النقد اللاذع والدائم هو الحل ، وحتى أن هذا الأمر يضر بصحة المرء الجسدية والعقلية والنفسية لجميع موظفي المؤسسة مما يؤثر على العملية الإنتاجية.

وعلى الخير نلتقي ، وبالمحبة نرتقي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى