
دور وسائل الإعلام في شهر رمضان
رحمة بنت مبارك السلمانية
لقد ساهمت التكنولوجيا في تغيير نمط حياة البشرية بشكل كبير بما في ذلك وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي، سابقاً كان لوسائل الإعلام دور إيجابي مهم وفعّال في تعزيز القيم الإسلامية في كل الأوقات والمواسم، ويتضاعف ذلك الدور العظيم في شهر رمضان بصفة خاصة، حيث كانت مختلف الوسائل الإعلامية تُعنى بتوعية الأمة الإسلامية لا سيما الناشئة والشباب بعظم شهر الخير والإحسان، وبأهميته في تنظيم وتقويم حياة المسلمين، من خلال بث وتقديم البرامج الثقافية الدينية التي تعينهم على التزود بعلوم الدين والفقه والعقيدة، وكذلك الأفلام والمسلسلات الإسلامية والتاريخية التي تعرض السيرة النبوية العظيمة وتبرز الفتوحات الاسلامية، وتسرد الأحداث والوقائع المهمة التي حدثت في شهر رمضان مثل غزوة بدر على سبيل المثال، كل ذلك كان بمثابة تهذيب للنفس والروح ومُعين على شحذ الهمم للتنافس على فعل الخير تعظيماً لشهر رمضان، وتقوية الوازع الديني وتعزيز المراقبة الذاتية، واستشعار القرب من الخالق وتحقق الهدف الحقيقي من الصيام.
أما في الوقت الحالي فقد أصبح هناك دور سلبي يغلب على معظم وسائل الإعلام، وقَلَّ ما تراعي بعض القنوات ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة قدسية الشهر الفضيل فيما تعرض وتبث، بينما تتمادى وسائل اعلامية أخرى في عرض كل ما يتنافى مع حرمة شهر الصيام والقيام وروحانيته، فتغالي في بث الغث والسمين والطيب الخبيث بل تحاول أن تشغل الناشئة والشباب عن العبادات، والتقرُّب بالطاعات والأعمال الصالحة من خلال بث التفاهات والاعلانات والتسالي الداعمة والداعية للفسق والمجون، ولفت الأنظار إلى الماديات والتسوّق والاستهلاك والاهتمام المفرط بموائد الطعام، وتحريك الغرائز والفتن واقصاء القيم الإسلامية والأخلاق والمبادئ الفاضلة.
من المؤسف أن تتنافس الكثير من القنوات العربية خاصة المرئية منها في ترويج وعرض مسلسلات وأعمال تتأثر بالثقافة الغربية، وبرامج تتضمن مخالفات صريحة وسلوكيات تتنافى مع الدين الإسلامي وتسيء إليه، مثل : العلاقات غير الشرعية، والعنف، وتعاطي المسكرات والمخدرات، والكثير من المشاهد التي تنتهك حرمة شهر الخير، الشهر الذي صُفّدَت فيه شياطين الجن وبقيت شياطين الإنس تراوح مكانهم لتلهي البشر عن الطاعة والذكر وقراءة القرآن وتبث السموم والشر؛ لإذابة ما تبقى من قيمٍ إسلاميةٍ سامية، طمعاً في زيادة نسب المشاهدة وزيادة الربح المادي، حتى نَجَحَت في اقناع بعض العقول أنه شهر الصيام عن الطعام والشراب فقط، متناسين قول الله تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴿١٠٣﴾ ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) ﴿١٠٤﴾.
شهر رمضان شهرٌ يُختَبَر فيه الإنسان من عدة جوانب إيمانية والصبر أحد الاختبارات التي قد ينجح في اجتيازها بعض البشر وقد يفشل البعض الآخر، فبالصبر يكبح المسلم جماح شهواته ويحافظ على صيامه بامتناعه عن سائر المفطرات من الشراب والطعام والأقوال والأفعال، وبالصبر يُرتِّل القرآن ويتدبر آياته وأحكامه وبالصبر يقوم الليل بالتراويح والتهجد، ويحرص كل الحرص على استغلال أيام هذا الشهر الفضيل في الأعمال الصالحة، وتقوية الروابط الاجتماعية التي يسودها التعاون والتكافل والتسامح والإحسان وصلة الأرحام، فهي أيام معدودة تمضي سريعاً وتغادرنا على عجل قبل أن نرتوي من شهدها، كما يجب على وسائل الإعلام المختلفة أن تعمل على تعزيز القيم الإسلامية وتحصين المشاعر الإيمانية في نفوس الناشئة والشباب، لحمايتهم من تأثير وسائل الإعلام السلبية والمحتويات غير الهادفة والإعلانات والمفخخة والمضللة، والمسابقات والتحديات المبتذلة، وتسليح تلك العقول الفَتِيَّة بالعلم والمعرفة ودعمها بالوعي والادراك وتثقيفها بكل ما يلزم لمجابهة التحديات والتطورات الهائلة في مختلف المجالات؛ لأنها أكثر الفئات تَأَثُراً بما تقرأ وتشاهد وتسمع.