
المتحف المصري الكبير.. من طاليس حتى العقاد
حسين الذكر
(الشعب يريد اسقاط النظام ) هكذا صدحت الجموع المصرية في واحدة لم تكن من الحكايات المزاجية او الصناعات الظلامية بقدر ما هي صرخة مجتمعية طالبت بالتغيير ومحاولة نقل مصر من موقع الى موقع آخر متقدم تستحقه بمعزل عن عملية التوظيف او ما اعتراها من خرق ما .
في التاريخ القديم ظلت بلاد وادي النيل تذكر على طول المراحل اللاحقة تنبأ البشرية عن قصة حضارة او بالاحرى حضارات انشات هناك وامتدت اذرعها بمختلف البقاع وشكلت خطوات على مختلف الابتكارات او تقنيات التقدم انذاك التي لا تتوقف عند اكتشاف الكتابة الصورية .
يذكر لنا السرد القديم ان مشكلة علمية حدثت قبل الميلاد عن كيفية قياس ارتفاع الاهرامات او أي ارتفاعات اخرى على الارض وظلت زمنا تتداول وتبحث في المراكز العلمية العالمية التي كان من بين اكبرها واهمها مكتبة الاسكندرية ان لم تكن الاهم عالميا انذاك .. وقد حلت عن طريق طاليس من اساطين الفلسفة العالمية الذي كان احد طلاب تلك المدرسة اللغز التي لم تدرس وتفسر بعناية كما ينبغي حتى الان .. حينما وجد نظرية (طول الشيء وظله يتساوى في نقطة معينة في ساعة من منتصف النهار ) التي حلت لغز ارتفاع الاهرامات بل واسست لتطور نظريات حياتية متعددة .
في واحدة من الافضال المصرية على العرب والمسلمين التي لا يمكن انكارها بل وتستحق اعادة دراستها من زوايا اخرى ان الجيش المصري – بمعزل عن العناوين والتوظيف والتلاعب النظري والظلامي السياسي – نعم الجيش المصري وحده هو من اوقف الغزو التتري بل واسهم فاعلا بانتهاء الخطر المغولي الى الابد .
(مصر) ملف وقضية كبرى لا يمكن مقارنتها باي بلاد العرب الا ببلاد الرافدين من زوايا حضارية متعددة وبتجرد ذاتي مستند الى اروقة التاريخ .. فهي الاكبر حجما والاعرق تاريخا والاكثر سكانا والاقرب التصاقا بحضارة ( روما ) تلك الحضارة الاوربية وان تعددت مسمياتها واشكالها التي تعد مصر نافذة لا يمكن اغفال التاثير العربي من خلال بوابتها ( اسكندريا او نابلوينيا ) وقبلهما وما بعدهما .
نعم مصر على بوابة مفترق طرق حتما ستعود لاستعادة بريقها ودورها المحوري المؤثر – هنا لا اتحدث عن السياسة ودهاليزها فحسب – بل احفر باخاديد ثقافة ووعي شعب جدير بالحياة ويمتلك حس الانتماء وقدرة الاحتواء وله فضل الامتداد الثقافي ما قبل تاليف الكتب على طريق طبعها ثم قراتها من عبر تاريخ احدث : ( يبدا بمحمد عبده وصوت العرب من القاهرة وفات الميعاد الكلثومي وشاهد مشفش حاجة التي ما زالت آسرة ورسمية يا ولدي لعبد الحليم .. وشعبية حبة فوق حبة تحت لاحمد عدوية … وتناشزية – شكوكو والعقاد – بل وحتى المحمدين صلاح في لندن وابو تركية في الدوحة ) . العجلة لا يمكن ان تتوقف والمسير باتجاه صحيح سريع حتما سيسهم في بناء مدرسة الاسكندرية من جديد لتكون مصدر اشعاع عالمي ويعود موسى عابرا البحر .. عبر رؤية الحكيم يوزر سيف مرة اخرى .
قرات سعيدا ما اختلجني من اخبار عن افتتاح أكبر متحف للآثار في العالم بعنوان (المتحف المصري الكبير) في القاهرة الذي صمم بهندسة يطل منها الزائرين على الاهرامات بمتحف يضم اكثر من مائة الف قطعة اثرية من العصور الفرعونية واليونانية والرومانية … ويمكنني ان اضيف حدسا البابلية و السومرية لتلاصق حد الاتحاد بين ملفين لم يكن البحر او النهر عازلا يوما بينهما ) بالإضافة إلى ما سيضمه من مبان تجارية وسياحية وترفيهية تستوعب خمسة مليون زائر سنويا كحد اولي .. وما يعنيه ذلك من موارد وفرص عمل وقوة ثقافة خشنة ظاهرة وناعمة مستترة .
كتبت هنا تعبيرا صادقا عن فرحة وتضامن مع اشقائي المصريين لما سيمثله هذا الحدث الثقافي السياحي كمصدر قوة لا يمكن ان تضاهي في زمن العولمة ومدى تاثيره وانعكاسه لتحسين الاحوال العامة ليس لمصر فحسب بل لبقية العرب ودول اقليمية اخرى .












