بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

صـفـحة جـديـدة..

رحمة بنت مبارك السلمانية

 

 

في نهاية كل عام ومع بداية عام جديد تتجدد الأمنيات بتجدد البدايات، بعد أن نكون طوينا صفحة مليئة بالعثرات، ونجحنا في تجاوزها بعزم وإصرار، وفيها تمكنا من النهوض بعد كل سقوط بلا مساندة وبلا عكازات، واستجمعنا قوانا وأكملنا المسير رغم جراحنا التي برتها محاليل الصبر وضمادات السلوان، ورغم كسورنا التي جبرتها عصي النسيان وكؤوس الغفران، تناسينا خلالها الخيبات والخذلان، شربنا التغافل المر وتعطينا عقاقير النكران.

لم يكن عاماً أوشك على الرحيل بقدر ما كان سنة، ولله الفضل والمنة أن تحققت فيها أيضاً بعض الانجازات، التي نفخر بها ما حيينا ونختزلها بين أجمل اللحظات، والتي كانت بمثابة يدٍ حنونةٍ تُربِت على قلوبنا، وبلسم يمسح دموعنا ويشفي أوجاعنا، وأكاد أُجزم أن أقوى إنجاز وأجمل ختام فيها أننا لا زلنا ننعم بالصحة والعافية والسلام الداخلي رغم تتابع الأزمات، وأننا أصبحنا أكثر نضجاً من ذي قبل وأنا كنا على حق عندما لم نرفع سقف التوقعات حتى لا تفجعنا المفاجئات وبعض النهايات.

لقد تعلمنا أن بعض الخسارات لم تكن هزائم بقدر ما كانت دروسًا قاسية علّمتنا متى نتمسك ومتى نترك، ومتى يكون الانسحاب شكلًا آخر من أشكال القوة، وأن وضع الحدود في كل الأحوال ليس قسوة، بل حماية ووقاية من الأذى وقوة، وأن تقليل العطاء أحيانًا ضرورة قصوى، وأن الحاجة للتأني ليست مجرد نزوة، بل هي أهم خطوة كي لا نفرغ من أنفسنا وكي لا نستنزف طاقتنا دفعة واحدة.

ها نحن نعد خططنا بحكمة أكبر للعام القادم، الذي نأمل أن يكون أفضل من سابقه ونفتح صفحة جديدة مطرزة بنضج أكبر وعقل تشرب بعض التجارب وروضته الندوب، بعد أن خاض الكثير من المعارك والحروب، لنقاتل بقوة وثبات أكبر من أجل تحقيق أحلامنا المنتظرة، لنعد أفضل الأسلحة لنتدثر بالشجاعة ونتزمل الصبر ونلتحف بالأمل، سنحاول نسيان الأيادي الذي خذلتنا ونتخطى الأقدام التي عثرتنا، ونتذكر جيداً أن لا خسارة تعادل خسارة الأرواح.

ربما آن الأوان لأن نتصالح مع ذواتنا، أن نسامحها على التقصير وعلى الحسرة أحيانا، وعلى الحزن والوجع والفشل أحيانا، وأن نعترف بأن النجاة إنجاز لا يقل شأنًا عن الوصول، وأن نعي جيداً أن الامتنان لا يحتاج إلى انتصارات صاخبة، بل يكفي ابتسامة لطيفة أو صباح بلا وجع، أو نسمة هواء عليل أو قلب ما زال قادرًا على العطاء، أو عقل لا زال يسترسل في التفكير الإبداع.

في نهاية العام سنبقى متفائلين رغم كل شيء مترقبين للبشائر التي تسر الخاطر، وسنظل ننتظر أن تمطر السحائب المحملة بالخير على هذه الأرض الطيبة، وأن تكون الحياة أجمل والعيش أطيب وأن تكبر السعادة وتتضاءل الهموم، ونحن ننتظر بداية جديدة تطل كشمس تشرق لتذيب الجليد عن قمم الجبال لنرى أمنياتنا الصغيرة المعلّقة كفلق الصبح، لنستجمع قوانا لمواجهة القادم بعزم أكبر.

وفي نهاية الصفحة نقول للأحبة: نحن معكم في كل أيامكم الحلوة والمرة، في أعوامكم القادمة نساندكم نتشبث بمحبتكم، لأنه ما زال هناك متسع للحب والسعادة والعطاء ما دام في الروح نفس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى