
من المراقبة إلى الثقة.. النموذج القيادي الجديد
عيسى بن سالم بن علي البلوشي
في كتاب Running Remote يقدّم Liam Martin وTom Rawson رؤية حديثة للقيادة في عالمٍ يعمل خارج حدود المكاتب التقليدية والجدران الاسمنتية. يؤكد الكاتبان أن القيادة عن بُعد ليست نسخة معدّلة من القيادة العادية، بل نموذج جديد يعتمد على الثقة والوضوح والنتائج بدل الرقابة والحضور الجسدي.
حيث يرى المؤلفان أن القائد في الفرق الموزعة يبني نظامًا ذاتي التشغيل قائمًا على كتابة القرارات وتوثيقها، وتحديد معايير أداء واضحة، وإنشاء قنوات تواصل شفافة.
فغياب التواصل المباشر يجعل الوضوح ضرورة أساسية، وأي غموض قد يتحول إلى فجوة كبيرة عندما يعمل الفريق من أماكن مختلفة.
ومع توسّع بيئات العمل نحو عوالم افتراضية ثلاثية الأبعاد، لم تعد القيادة الرقمية التقليدية كافية. فقد بدأت البيئات الغامرة مثل الواقع الافتراضي والميتافيرس تفرض نوعًا جديدًا من القيادة؛ قيادة تعتمد على الحضور الافتراضي وقدرة القائد على خلق تأثير حقيقي من خلال هوية رقمية وتصميم مساحات تفاعلية تُشعر الفريق بالانتماء رغم البعد الجغرافي.
هنا ينتقل القائد من إدارة الاجتماعات عبر الشاشة إلى إدارة تجارب متكاملة تُحفّز الإبداع وتقلل من فجوات العزلة الرقمية، ليصبح مهندسًا للثقافة الافتراضية داخل بيئة عمل ثلاثية الأبعاد.
وفي هذا المستقبل السريع، تتحول القيادة بالنتائج إلى قيادة بالابتكار، ويصبح القائد مسؤولًا عن تمكين فريق عالمي يعمل من أي مكان داخل غرفة افتراضية واحدة.
ومع تطور أدوات التحليلات الغامرة، تتعزز القدرة على قياس الأداء بدقة، بينما تزداد أهمية المهارات الإنسانية مثل المرونة النفسية وإدارة الإجهاد المعلوماتي. وفي ظل هذه التحولات، تظهر أخلاقيات قيادة جديدة تتعلق بالهوية الرقمية، والخصوصية، وحدود التفاعل الافتراضي.
كما يركّز الكتاب على أن دور القائد لا يتمثل في إدارة الوقت، بل في إدارة النتائج، وتمكين الفريق من اتخاذ القرار والعمل باستقلالية. فالتحديات الأعمق مثل العزلة والإرهاق الرقمي ليست تقنية، بل إنسانية، وهنا يظهر القائد القادر على خلق شعور بالانتماء رغم البعد الجغرافي.
باختصار، يقدم الكتاب فلسفة قيادة مستقبلية تدعو إلى بناء بيئة مرنة وفعّالة تعتمد على الثقة، الثقافة القوية، والتواصل الواضح، ليصبح الفريق قادرًا على الإبداع والعمل بكفاءة من أي مكان في الواقع المادي، أو داخل عالمٍ آخر أكثر رحابة واتساعًا.









