
الشرق الأوسط .. رقعة الشطرنج في زمن القطب الواحد
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الشأن الجيوسياسي والعلاقات الدولية
في عالمٍ يتبدّل وجهه كل صباح، لم يعد هناك متّسعٌ للحياد أو التردّد. نحن نعيش في زمنٍ تحكمه القوة لا العدالة، وتُقاس فيه القيم بميزان المصالح لا المبادئ. لم يعد العالم ساحةً تتلاقى فيها الحضارات، بل أصبح ميداناً تُدار فيه الألعاب الكبرى فوق رقعةٍ تشبه الشطرنج، حيث تتحرك الدول كقطعٍ بلا إرادةٍ أحياناً، أو كلاعبينٍ ماهرين أحياناً أخرى.
الشرق الأوسط، هذه البقعة التي كانت يوماً مهداً للأنبياء والتاريخ، تحوّل اليوم إلى لوحةٍ تُختبر عليها نظريات النفوذ، ويتصارع فوقها الملوك والوزراء والجيوش كما يتصارع اللاعبون على “الملك الأبيض” و”الوزير الأسود”.
لم تعد الخرائط تُرسم بالحبر، بل تُعاد صياغتها بالنفط والسلاح والاتفاقات الخفية، تحت أنظار عواصم لا تعرف الرحمة ولا الصدفة.
القوة لم تعد خياراً، بل شرطاً للبقاء؛ من لا يمتلك أوراق الضغط يصبح ورقةً في يد الآخرين، ومن لا يصنع توازنه يُستَخدم لتحقيق توازن غيره.
بين واشنطن وموسكو وبكين وتل أبيب، تتبدّل المواقع كما تتبدّل أدوار الجنود على رقعةٍ دوليةٍ تتّسع وتضيق وفقاً لمصالح الكبار. الأنظمة الصغيرة، التي تظن أن خطابها كافٍ لصناعة موقعٍ لها، تُفاجأ أن العالم لا يُصغي إلا لصوت القوة، وأن النيات الطيبة لا مكان لها في منطق الصفقات.
في هذا العصر الذي تُدار فيه الحروب بالذكاء الاصطناعي والدبلوماسية بالصور المسربة، لم يعد الضعف مسموحاً. كل دولةٍ في الشرق الأوسط مطالبةٌ أن تعرف : ما الذي تريده ؟ وكيف تصل إليه ؟، وإلا ستجد نفسها مجرّد خانةٍ صغيرة على رقعةٍ لا ترحم المتفرجين.
لقد انتهى زمن العواطف السياسية والشعارات الأخلاقية. نحن أمام نظامٍ دوليٍّ جديد لا مكان فيه للمتعبين ولا للمؤجلين؛ البقاء فيه للأقوياء، ولمن يملكون البصيرة قبل السلاح، والرؤية قبل القرار.
فمن لا يُحسن لعب الشطرنج في هذا العالم، سيظل دائماً قطعةً تُحرّكها يد الآخر نحو المجهول.












