بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

البروتوكول الدبلوماسي العُماني: عقلية قيادة، ووحدة صف، وراحة مواطن

الكاتب أ. عصام بن محمود الرئيسي
مدرب ومؤلف سلسلة كتاب مختارات من البروتوكول

 

 

منذ عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه – وحتى عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله – سارت عمان على نهجٍ سياسيّ يتسم بالهدوء والاتزان، لا يعرف الانفعالات، ولا ينجرف وراء التجاذبات والانقسامات، وإنما يُدار بعقلٍ حكيم، ونَفَسٍ طويل، واحترام عميق لخصوصية الشعوب ومصالحها. أصبحا مع الوقت جزءًا من هوية الدولة ومصدر طمأنينة لمواطنيها. وقد غدت هذه السياسة الحكيمة مصدر فخر وثقة لكل عماني وهو ما جعل المواطن العُماني، في خضم الاضطرابات التي تعيشها بعض دول العالم والأقليم، يشعر بالسكينة، وبأنه ليس معرّضًا للقلق السياسي، أو للتجاذبات العنيفة التي تؤثر في أمنه اليومي.

ومن خلال هذه السياسة الحكيمة ظهر بروتوكول لا يُثار فيه دخان، ولا يُفتح فيه بابٌ للعداوات، هذا هو نهج السياسة العُمانية، الذي أرسى دعائمه القادة الحكماء، فكان المواطن العُماني في مأمنٍ من قلاقل السياسة، وفتن الصراعات. سياسة خارجية هادئة، متّزنة، بعيدًا عن التشنج وتتجنّب التهور، وتحفظ للدولة هيبتها واحترامها في المحافل الدولية. فكانت النتيجة: وطن آمن، ومجتمع مطمئن، ومواطن منشغل بالبناء لا بالخوف.

وقد يظن البعض أن عُمان بعيدة عن الساحة الدولية، بسبب غيابها عن الضجيج الإعلامي، لكن الواقع يثبت العكس؛ فالدبلوماسية العُمانية: هدوءٌ واتزان في الشكل، وعمقٌ في التأثير وهو أسلوب ترك أثرًا عميقًا وفاعلاً في التوازنات الإقليمية والدولية، من خلال الوساطة الصامتة، وبناء الجسور بدلًا من إشعال الخلافات. إنه بروتوكول لا يُمارَس في المؤتمرات فقط، بل يتجذّر في ثقافة أمة تؤمن بالحوار والعقل والهدوء في التعامل.

ومن هنا، فإن من واجب المواطن أن يعي هذا النهج، وألّا ينجرف وراء الأصوات النشاز أو الأبواق الخارجية التي تحاول بثّ الفوضى والتشكيك. فالوطن ليس ساحة نقاشات عابرة، بل بيت الجميع، ومن العقل والحكمة أن نتحلى بالمسؤولية وأدب الحوار، وألا نخوض في ما نجهل من مسالك السياسة والدين ومآلاته. فكل كلمة في غير موضعها، قد تفتح ثغرة، وكل رأيٍ بلا وعي، قد يُستغل لتشويه صورةٍ ناصعة.

عُمان بلد آمن بسيادته، راسخ في مواقفه، ومواطنه الواعي جزء من منظومة الاستقرار، لا يسمح لنفسه أن يكون أداةً للفتنة، بل جسرًا للبناء والحكمة، على نهج القادة الذين جعلوا من البروتوكول الدبلوماسي مدرسةً في الاعتدال، وميثاقًا في حسن التدبير.

ومن جانب آخر وفي ظل هذا الاستقرار الراسخ أيضا، تظل اليقظة واجبًا وطنيًا تجاه أي محاولات لبث النعرات الطائفية أو الدينية التي يروّج لها بعض الجهلة وضعاف النفوس، بهدف شق الصف الوطني وضرب وحدة المجتمع. إن مثل هذه الأفكار الدخيلة لا تمتّ لقيم عُمان الأصيلة بصلة، وتتناقض مع تاريخها العريق في التعايش والتسامح. ومن هنا، يتحتم على كل مواطن أن يكون خط الدفاع الأول، برفض هذه السموم الفكرية، ومواجهتها بالوعي والحكمة والتوازن، حفاظًا على وحدة الصف، وصونًا لسلامة الوطن وأمنه واستقراره.

إن جوهر هذا التوازن يكمن في بروتوكول سياسي عُماني يتعامل مع الشأن الداخلي والخارجي بمنظور الاحترام، والتفاهم، وعدم التدخل في شؤون الدول، مما منح عمان مكانة مرموقة في الدبلوماسية الدولية، وأكسبها ثقة الأطراف المختلفة.

إن راحة المواطن لا تُقاس فقط بالخدمات أو الدخل، بل بالشعور بالأمان والطمأنينة، وهو شعور بات جزءًا من الهوية العُمانية، يُغرس في النفس منذ الطفولة، ويُترجم في السلوك المجتمعي العام، في الاحترام، وفي الطمأنينة، وفي الإيمان بالمستقبل.

فالهدوء السياسي ليس مجرد غياب للأزمات، بل هو حضورٌ للعقل، ولسياسة راشدة، تقود البلاد نحو الاستقرار، وتحمي المواطن من اضطراب المجهول.

فالمواطن العماني، حين يذهب إلى عمله، أو يعود إلى أسرته، لا يحمل همّ السياسة، ولا يخشى على وطنه، لأنه يعلم أن هناك قيادة تمسك بدفّة الحكم بحكمة، وإدارة تعرف كيف تصيغ المواقف بحرفية، وبروتوكول لا يُثار فيه دخان ولا يُفتح فيه بابٌ للعداوات.

ذلك هو البروتوكول العُماني، الذي لا يُختزل في مراسم الاستقبال، بل يمتد إلى فلسفة حُكم، وعقلية قيادة، ووحدة وطن وراحة مواطن.
وعلى الخير نلتقي وبالأمن نرتقي …

‫2 تعليقات

  1. الشعب العماني الحمدلله على وعي ودراية بذلك، إلا أن التذكير واجب جزاك الله خير في ظل التعلق والانسياق وراء الوسائط و وسائل التواصل الرقمية المكثفة الحالية، شكرا للأستاذ عصام محمود على المقال الرائع

  2. شكرا لكم الاستاذ عصام الرئيسي المحترم
    مقال رائع ومتوازن يوضح الارث التاريخي والسياسي لسلاطين عمان ..
    سلمت يمينك

اترك رداً على محمد سالم العدواني إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى