
مسارات السكك الحديدية بين أوزبكستان والصين: التجارة، العبور، والمراكز اللوجستية الجديدة..
عثمانجون مختارجونوف
أخصائي أول : إيسومدين أسباتاروف
تعود الجذور التاريخية للعلاقات الأوزبكستانية–الصينية إلى قرونٍ مضت، وهي اليوم تشكّل أساسًا متينًا لتطوير شراكة فعّالة ومثمرة للطرفين في المرحلة الحالية. الطريق الحريري القديم، الذي ربط المناطق وحفّز التعاون والتبادل الثقافي، يكتسب اليوم أهمية جديدة، ويستمر في أداء دوره كجسر اقتصادي وثقافي وإنساني بين الدول والشعوب.
اليوم، تتقارب مواقف أوزبكستان والصين حول القضايا الدولية الراهنة التي تضمن الأمن والتنمية العالميين. وتدعم الصين بالكامل مسار التنمية المستقلة لأوزبكستان والإصلاحات الواسعة الجارية في بلدنا تحت قيادة الرئيس شوكت ميرضيُوِف.
عبر تعزيز الروابط الوثيقة في إطار الأمم المتحدة، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وصيغة “آسيا الوسطى–الصين”، وغيرها من الهياكل الدولية متعددة الأطراف، يحمي البلدان مصالحهما المشتركة ويسهمان إيجابيًا في تحقيق الأمن والتنمية عالميًا. ويجدر التنويه بأن أوزبكستان والصين شاركتا بنشاط في تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون، ودعمتا دائمًا بعضهما بعضًا في تنفيذ المبادرات والمقترحات المتبادلة.
ومن الشركات الصينية الكبرى التي تنشط في السوق الأوزبكية :
Huawei، وZTE، وWenzhou Jinsheng Trading، وQK Peng Sheng، وSinotruk، وHeng Bang Textile Central Asia، وغيرها الكثير.
يعد مشروع بناء السكك الحديدية “الصين–قيرغيزستان–أوزبكستان” ذا أهمية استراتيجية في تعزيز الاتصال النقل وتطوير المنطقة في إطار مبادرة الحزام والطريق، ويُشار إليه اليوم بـ “إنجاز القرن”. وهذا المشروع يمثل إحياءً فعليًا للطريق الحريري العظيم.
وبعد سنوات من الجهود، انطلقت أعمال بناء خط السكة الحديدية “الصين–قيرغيزستان–أوزبكستان” رسميًا في 27 ديسمبر 2024، بمدينة جلال أباد في جمهورية قيرغيزستان.
وعلى ضوء التعاون الفعّال بين مهندسي السكك الحديدية في جمهورية الصين الشعبية، وجمهورية قيرغيزستان، وجمهورية أوزبكستان، تحقق تقدم مبكر في تنفيذ الأعمال على المرافق الرئيسية، ما يشير إلى انتقال المشروع إلى مرحلته النشطة من البناء.
يشمل المشروع 20 محطة، و42 جسرًا، و25 نفقًا على طول مسار “كاشغر–تورغارت–ماكمال–جلال أباد–أنديجان”. ومن المتوقع استكمال بناء السكة بحلول نهاية عام 2030، بطول إجمالي يبلغ 532.53 كم، وسيصل حجم نقل البضائع على المسار إلى 15 مليون طن سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، سيتم إنشاء بنية تحتية حديثة للنقل العابر واللوجستيات، تشمل مستودعات ومحطات.
ويمثل بناء العديد من الأنفاق والجسور خلال تنفيذ هذا المشروع إنجازًا هندسيًا بارزًا. وبفضل تقليص زمن توصيل البضائع، ستنخفض تكاليف النقل، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض الأسعار في السوق.
إن إنشاء ممر نقل مستدام بين الصين وآسيا الوسطى سيخلق العديد من فرص العمل الجديدة ويعزز التطور المستمر للتجارة والعلاقات الاقتصادية بين دول المنطقة.
وأظهرت الدراسات وجود إمكانية جذب نحو 10 ملايين طن من البضائع المتجهة من الصين إلى تركيا وإيران وتركمانستان وأفغانستان وباكستان عبر مسار “الصين–قيرغيزستان–أوزبكستان”. وإذا توافرت ظروف ملائمة للنقل عبر هذا الطريق، فقد يتضاعف حجم النقل أربع مرات بحلول عام 2040.
كلّ ذلك يدلّ على الأهمية العالية ليس فقط للنقل والبنية التحتية، بل أيضًا الاقتصادية لهذا المشروع. بالإضافة إلى ذلك، ستقصّر السكة الحديدية “الصين–قيرغيزستان–أوزبكستان” الطريق بنحو 1035 كم، وسيتقلص وقت التوصيل بمقدار أسبوعٍ واحد مقارنةً بالمسار الحالي “الصين–كازاخستان–أوزبكستان”.
بعد اكتمال خط السكة، ومع ظهور أقصر وأكثر مسارات النقل البري استقرارًا بين الصين وأوروبا، وكذلك بين الصين وجنوب آسيا، سينخفض طول مسافة النقل في اتجاهَي “الصين–أوروبا” بحوالي 900 كم، و”الصين–جنوب آسيا” بحوالي 1000 كم، كما سيُختصر زمن السفر بقيمة أسبوع في كلا الاتجاهين.
وليس فقط تنمية التجارة الثنائية بين أوزبكستان والصين، بل إن مسارات السكك الحديدية بينهما تعزز أيضًا الموقع الجيو‑اقتصادي لأوزبكستان، acceleraً تحولها إلى محور لوجستي في آسيا الوسطى. وسيصبح مشروع سكة الحديد “الصين–قيرغيزستان–أوزبكستان” جسرًا استراتيجيًا للنقل في المستقبل، ويعزز دور أوزبكستان في سلسلة اللوجستيات الأوراسية.
ومع نمو حجم دوران البضائع بين أوزبكستان والصين، تبرز الحاجة إلى إقامة نقاط تجميع وفرز وتوزيع للبضائع، بالإضافة إلى مراكز لوجستية في كلا البلدين. ولتلبية هذه المتطلبات المتزايدة وضمان جودة الخدمة، افتتحت شركة “Uztemiryulkonteyner” المحدودة للمنشآت المشتركة نقطة تجميع للبضائع في مدينة لانتشو بالصين عام 2025.
في العلاقات التجارية بين أوزبكستان ودول شرق وجنوب شرق آسيا، تحتل موانئ الصين—خاصةً ليانيونغانغ وتشينغداو—مكانة مهمة. وتزداد أهمية ميناء ليانيونغانغ، كونه جغرافيًا مناسبًا لنقل بضائع التصدير والاستيراد مع مقاطعات شرق الصين وكوريا الجنوبية واليابان وماليزيا ودول أخرى في المنطقة.
ولخلق أفضل الظروف لنقل صادرات واستيراد وعبور البضائع بين أوزبكستان والصين، وكذلك لتعزيز تطوير ممر النقل “أوزبكستان–قيرغيزستان–الصين”، تم إنشاء مركز لوجستي بمشاركة ممثلين عن الأعمال الأوزبكية في “منتزه لوجستيات منظمة شنغهاي الدولي” الكائن بميناء ليانيونغانغ الصيني.
ويمكن التأكيد بثقة على أن التعاون السككي بين البلدين أمر حاسم ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل أيضًا من منظور الاستقرار السياسي والإقليمي، فضلاً عن أمن النقل.