
من يخون الرسالة باسم الشهرة ؟!!
خالـصـة الصـلـتـية
حين تتحول الرسالة إلى وسيلة ويُختزل الأثر في المشهد
في مشهد يثير الأسى أكثر مما يثير الفخر، يُلاحظ أن بعض المؤسسات تُزج أسماؤها في شراكات واتفاقيات لا تعود عليها إلا بالصدى المؤقت.
تُقام الفعاليات وتُوزع الدروع وتُلتقط الصور، ثم لا شيء بعد ذلك.
لا مشروع ينمو، ولا مبادرة تستمر، ولا أثر يبقى.
فهل كانت الغاية خدمة الناس، أم خدمة الذات ؟.
تتكرر الصورة ذاتها :
مؤسسة تبحث عن الشهرة، وجهة خاصة تبحث عن غطاء اجتماعي، فيتفق الطرفان على تبادل الأدوار.
الأولى تقدم الاسم، والثانية تقدم المسرح، أما المضمون فغائب، ومعه تغيب روح العمل والمسؤولية.
هل يليق بمؤسسة تحمل رسالة عامة أن تتحالف مع جهة تجارية لمجرد الحضور الإعلامي؟
وأين عقول من يُفترض بهم أن يصونوا الاسم والرسالة، حين يتحول كل ذلك إلى وسيلة لتحقيق مصالح شخصية؟
حين يصبح العمل من أجل الصورة لا من أجل الأثر، يفقد معناه الأصيل، وتتحول الرسالة إلى واجهة باهتة تخدم الأفراد لا المجتمع.
لقد انحرفت بوصلة العمل المؤسسي حين صار المعيار هو من يظهر أكثر لا من يخدم أكثر!، وحين انشغلت بعض القيادات بجمع الدعوات والتكريمات بدل أن تجمع الأفكار وتُنشيء المبادرات.
الأخطر أن بعض الفعاليات تُقام فقط لترضية جمهور داخلي أو لإظهار إنجاز شكلي بلا أثر، بلا قيمة مضافة ولا نتيجة تُذكر.
وهنا السؤال الأهم : أين أدوات الرقابة الذاتية والإدارية التي تضمن أن تُبنى الفعاليات على حاجة حقيقية وهدف واضح، لا على نزعة مؤقتة للظهور ؟
إن غياب التقويم والمساءلة هو ما سمح لهذا التكرار أن يتحول إلى نمط مألوف لا يثير الاستغراب.
ليس من الطبيعي أن نرى إدارات تغفل عن أبسط مسؤولياتها، وتترك المجال مفتوحًا أمام من يخلط بين الرسالة والمصلحة، وبين الخدمة العامة والتجارة الخاصة.
وليس من الملائم أن تُمنح الجوائز والتكريمات لأشخاص لم يقدموا سوى حضوراً إعلامياً لافتاً، بينما تتوارى الجهود الحقيقية خلف الستار.
إن المؤسسات التي تسعى إلى الوجاهة على حساب مبادئها تفقد احترامها قبل أن تفقد جمهورها.
فالمجد لا يُصنع بالتصفيق، بل بالأثر.
والقيادة ليست في أن تُرى، بل في أن تُثمر.
أما تلك التكريمات التي لا تصنع فرقًا، فهي كزخرف على جدار متصدع؛ يخفي الشقوق لحظة، ثم يسقط أمام أول سؤال صادق :
ماذا أنجزتم ؟ ولمن ؟ وما هو العائد ؟.
لقد آن الأوان أن تُعيد المؤسسات النظر في طريقة تفكيرها، وأن تراجع أولوياتها بصدق.
فليست الغاية أن نُكثر من الفعاليات، بل أن نحسن اختيارها، وأن نربط كل نشاط بنتيجته الواقعية.
فالعمل العام لا يُقاس بحجم الظهور ولا بعدد الصور، بل بما يُحدثه من أثر يبقى بعد انطفاء الأضواء.
إننا نعيش مرحلة وعي جديدة في وطن يسير برؤية واضحة نحو الكفاءة والمسؤولية؛ مرحلة تجعل كل من يعمل للناس تحت مجهر الأثر لا تحت عدسة الكاميرا.
ومن أراد البقاء، فليزرع ما يبقى.
إن ما نحتاجه اليوم هو أن نعيد تعريف النجاح المؤسسي ليقوم على الأثر لا المظهر، وعلى القيمة لا العنوان، وعلى الفعل لا الصورة.
أن نغرس في المؤسسات ثقافة القياس والتقويم قبل الاحتفال، وأن نعيد الاعتبار لفكرة المسؤولية العامة بوصفها التزامًا وطنيًا لا مساحة للتلميع الشخصي.
فالدولة تمضي برؤية واضحة نحو ترشيد الجهود وربط الفعاليات بمعايير الحوكمة والكفاءة والجدوى.
وهذا التوجه لا يُقيد الطموح، بل ينقيه؛ يجعل من كل مبادرة منصة حقيقية للتنمية، لا مناسبة استعراضية.
ولعل أجمل تكريم يمكن أن تناله أي جهة هو أن يلمس المجتمع أثرها، وأن تُذكر أعمالها لا صورها؛ فالأثر وحده ما يبقى؛ أما الأضواء فمصيرها أن تخفت.








