بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الشوق إلى الانتماء

عيسى بن سالم البلوشي

 

في أعماق كل إنسان هناك شعور صامت… شوق لا يُعلَن، لكنه حقيقي : الرغبة في الانتماء.
أن يُرى، أن يُفهم، أن يكون جزءًا من شيء أكبر من ذاته. هذا الشوق لا يزول بالمال، ولا بالقوة، بل بالروابط الحقيقية التي نُنشئها، وبالأماكن التي نشعر فيها بأننا في “بيتنا”.

في القيادة، هذا الشعور مهم أكثر من أي مهارة تقنية.
القائد الذي يفهم هذا، لا يبني فرقًا فحسب، بل يخلق مجتمعًا يشعر فيه كل عضو بالأمان، بالقيمة، وبالحافز للمساهمة.
فالانتماء ليس مجرد كلمة… إنه شعور يجعل الجميع يقدم أفضل ما لديهم، حتى في أصعب اللحظات.
لكن الانتماء لا يُفرض، بل يُزرع بالعناية، والاحترام، والثقة، والمصداقية.
حين يشعر الناس بأنهم مسموعون، حين يرون أن أفكارهم تُقدّر، حين يُعاملون بإنسانية، يصبح الانتماء حقيقيًا، مستدامًا، وملهمًا.

وهنا نجد صدى هذا الشوق الإنساني في كتاب : A Longing to Belong : Reflections on Faith, Identity, and Race للكاتبة ميشيل لي-بارنوال (Michelle Lee-Barnewall)،
التي تروي فيه رحلتها في البحث عن الانتماء وسط اختلافات الهوية والثقافة.
ترى الكاتبة أن الانتماء ليس مجرّد حالة اجتماعية، بل رحلة إيمانية وإنسانية؛ نبحث فيها عن معنى وجودنا بين الآخرين، وعن مكانٍ يُقدَّر فيه اختلافنا.

تُذَكِّرنا كلماتُها بأن الشوق إلى الانتماء هو نداء داخلي في كل إنسان، وأن المجتمعات التي تستجيب لهذا النداء، تبني روابط لا تُكسر وثقافات لا تزول.

إذن القيادة ليست فقط قرارات واستراتيجيات، بل هي : فن بناء الانتماء.
القائد العظيم لا يجمع الأفراد فحسب، بل يوحّد القلوب حول غاية، ويخلق ثقافةً يشعر فيها الجميع بالأمان، بالقيمة، وبالإلهام للمساهمة.
القائد الذي يقدّر الانتماء، يعلم أن القوة ليست في الفرد وحده، بل في الشبكة الإنسانية التي تقوده وتدعمه في نفس الوقت.
وهذا يدل على أن الرغبة في الانتماء ليست ضعفًا، بل دليلاً على إنسانيتنا.
والقائد الذي يفهم ذلك، يحوّل الشوق إلى قوة، والفراغ إلى بيت حقيقي لكل روح تسعى للتقدير.
فحين نجد مكاننا، وحين نُحس أننا جزء من كلٍّ أكبر، تزدهر الطاقة، وينطلق الإبداع، ويتحوّل العمل إلى قصة نجاح مشتركة.

ختاماً : أعظم ما يتركه القائد والفريق والمجتمع ليس إنجازًا ماديًا، بل أثرًا إنسانيًا عميقًا في قلوبٍ شعرت أنها كانت تنتمي حقًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى