الخـطـوط الحـمـراء..

الكاتـب/ جـمـال أسـعـد
الخـطـوط الحـمـراء..
دائماً ما يكون الإعلان عن الخطوط الحمراء في أي قضية من القضايا يعنى أن الطريق الدبلوماسي والمسار التفاوضي قد وصل إلى انسداد في قنوات التواصل والتحاور للوصول إلى نتائج تحقق المصلحة المشتركة لأطراف الحوار.
لاشك أن العلاقات الدولية بين الدول تعتمد في المقام الأول على العلاقات الطبيعية التي تحقق المصالح المشتركة بين الدول والتي ينظمها القانون الدولي إضافة للاتفاقيات الثنائية أو الجماعية التي تعقدها الدول بعضها مع بعض حفاظا على العلاقات وحفظا للمصالح المشتركة ، كما أنه وهذا هو المهم أن مدرسة الدبلوماسية المصرية العريقة التي تستمد عراقتها وقيمها ومبادئها من الهوية المصرية التي تشكلت عبر التاريخ وقبل الزمان بزمان اعتمادا على حضارة سبقت الحضارات وكانت فجر الضمير . ولذلك وطوال التاريخ فمصر تقبل الاخر بكل تصنيفاته وانتماءاته وتصهرهم في بوتقتها الذهبية فيتمصروا. ولذا لا تتدخل مصر في شئون غيرها ولا تترك أحداً يتدخل في شؤونها، وبناء على هذه القاعدة الذهبية فمصر دولة تحمى ولا تهدد تصون ولا تبدد وتشد أزر الصديق، وفى الوقت نفسه لا تتنازل عن حق مهما كلفها هذا من ثمن ودم. فلماذا كانت الخطوط الحمراء؟ عندما مثلت المشكلة الليبية تهديدا حقيقيا للأمن القومي المصري بالتدخل التركي السافر في الشؤون الليبية بهدف الضغط على مصر وتهديدها؛ كان إعلان الحدود الغربية لمصر خطً أحمرا . وكان هذا الاعلان هو البداية الحقيقية والخطوة الصحيحة لبداية حل المشكلة الليبية بإعادة الدولة إلى الشعب الليبي بعيدا عن التدخلات التي لا تهدف لغير مصلحتها.
أما الإعلان الثاني للخطوط الحمراء والذى كان على شط قناة السويس بعد عبور الأبطال وتحقيق ملحمة نجاح تسيير السفينة البنمية والموجه تحديدا إلى إثيوبيا كرسالة وليس تهديدا .
فمن يهدد هو من يريد حقاً ليس حقه، ولكن الرسالة التي تحمل وتعلن عوامل القوة والقدرة تعني الحفاظ على الحق؛ خاصة بعد مراوغات تخطت اكثر من عشر سنوات فالصبر نفذ والأعصاب توترت والهوية والكرامة استنفرت خاصة أن القضية هي قضية حياة أو موت، فطوال التاريخ ونهر النيل يمثل ليس خطاً أحمرا بل هو كل الخطوط الحمراء عند أي تهديد لحياة المصريين.
في الوقت الذى يعلم فيه الجميع أن هذا التعنت الأثيوبي لم يكن نتيجة لقوة أو حق ؛ بل هو اعتمادا على قوى خارجية لها مصلحتها في هذا السد ، ولذا فالإعلان عن الخط الأحمر هو رسالة إلى إثيوبيا وغيرها من الدولة المتواطئة معها . نعم بدأت المفاوضات الماراثونية مرة أخرى في كينشاسا يوم السبت الماضي بعد رفض إثيوبيا الوساطة الرباعية التي اقترحتها السودان، ولكن هذه المفاوضات إذا لم تصل إلى حلول تضمن الحقوق، وتصون العهود، وتُفَعّل القانون؛ هنا فالخط الأحمر سيتحول إلى كل الخطوط الحمراء فلا مساومة مقابل الحياة . ولذا فاليوم هو يوم مصر الوطن العزيز والغالي؛ أي أننا لابد من التكاتف والتوافق بل التوحد الحقيقي الذى يحفظ حقوقنا ويصون حياتنا. فالوقت وقت توحد وتأجيلا لكل خلاف فالدولة هي الاهم والأبقى؛ فمصر هي وطننا، وطن الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد.
أما على الصعيد العربي فمن البديهي وحفاظاً على الأصول والكرامة العربية أن يكون هناك موقف جاد يعلن عن طريق جامعة الدول العربية في مساندة مصر والسودان .. موقف لا يعتمد على الشجب والاستنكار والوقوف النظري وليس العملي، ولكن موقف عملي حقيقي؛ فهناك دول عربية تقف مع أثيوبيا ولها استثمارات وفى هذا السد تحديداً، كما أن هناك دولة تحاول هز العلاقة المصرية السودانية بالوصول لحلول سودانية أثيوبية منفردة لن تكون في صالح مصر أو السودان .. فهل يمكن أن نسترجع الآن المثل القائل : (أكلت يوم أكل الثور الأبيض).












