بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

تطورات الصراع العالمي : فيينا – محور الشرق – الإقليم!!..

المـهـنـدس/ حـيّـان نَـيّـوف

 

تطورات الصراع العالمي : فيينا – محور الشرق – الإقليم!!..

 

ما زالت إيران تتريث في العودة إلى مفاوضات فيينا ، وعلى ما يبدو أنها تضع شروطاً لذلك تتعلق بتنفيذ الولايات المتحدة لالتزامات سابقة حول رفع الحصار ، وتتسلح إيران بتطورات جديدة (كاتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع الصين ، والانسحاب الأمريكي من أفغانستان ، والعضوية الدائمة في منظمة شنغهاي).

وفي الوقت الذي تستعجل الولايات المتحدة عودة إيران إلى فيينا ، تدرك بذات الوقت أوراق القوة الجديدة “الإستراتيجية” التي باتت بحوزة إيران ، مما اضطرها لتفعيل بعض الأوراق “التكتيكية” على الساحات (الأذرية والعراقية واللبنانية) في محاولة منها للضغط على إيران.

الولايات المتحدة التي ظهرت بموقف من يستجدي الوصول لاتفاق نووي مع إيران ، ألزمت حلفاءها في المنطقة بهذا الموقف ، وعلى رأسهم “اسرائيل” التي اعلنت عن استعدادها للتعايش مع اتفاق نووي بين الغرب و إيران ، والسعودية التي سارعت بتوجيه من الولايات المتحدة وتحت ضغط خسارتها حرب اليمن إلى فتح حوار مع الجمهورية الإسلامية.

الموقف الإيراني لم يقف عند ما تم تحقيقه ، بل جاءت التصريحات الإيرانية لتبرز المزيد من عناصر القوة الإيرانية ، فقد أعلنت إيران عن امتلاكها 120 كغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% ، وكذلك عن مشروع مفاعل نووي جديد في آراك ، أمّا الأكثر وقعاً من ذلك فهو ما صرح به الناطق باسم الخارجية الإيرانية عن اتفاق شراكة استراتيجية مع روسيا يجري الإعداد له يكون مكمّلاً لاتفاق الشراكة الإستراتيجية مع الصين.

الناطق باسم السياسة الخارجية الايرانية فاجأ العالم باستخدام مصطلح (محور الشرق) الذي يضم إلى جانب إيران كل من روسيا والصين ، وعلى الرغم من أن هذا المحور جرى الحديث عنه كثيراً في الفترة الأخيرة في الإعلام وفي الأدبيات السياسية ، غير أنها المرة الأولى التي يجري استخدام هذا المصطلح من قبل جهة رسمية من إحدى الدول الثلاث : “إن محور الشرق يتبلور بين ايران وروسيا والصين” ، هذا ما قاله الناطق الإيراني بالضبط ، ليصل صدى كلامه إلى عواصم القرار الغربية والإقليمية.

الإعلان الإيراني عن محور الشرق بهذا الأسلوب لم يكن عبثيا ، وبلا شك جاء بالتنسيق مع روسيا والصين ، وأتى بعيد الإعلان عن حلف “أوكوس” بين (الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا) ، وبعد قمة  “كواد” التي ضمّت كلاً من (الولايات المتحدة و أستراليا واليابان والهند) ، كما أنه ترافق مع حدثين مهمين واستراتيجيين ، الأول متعلق بأمن الطاقة في اوروبا والذي بات تحت رحمة روسيا في ظلّ ارتفاع جنوني لأسعار الغاز بات يهدد الاقتصادات الأوروبية  ، والثاني متعلّق بما أصاب الغواصة النووية الأمريكية في بحر الصين وخروجها من الخدمة..

وفقاً لكل تلك المعطيات والتطورات ، تبدو التكتيكات الأمريكية الجديدة في كل من أذربيجان والعراق ولبنان للضغط وإظهار القوة  ، أما في سورية فتبدو الولايات المتحدة وكأنها حيّدت الشأن السوري عن التصعيد الأخير وعن تكتيكات الاشتباك التي اتخذتها مؤخرا ، على الأقل من جهتها ، لكنها كلّفت “اسرائيل “بالمهمة لممارسة الضغط عبر عدوانَيْن جوِّيَّيْن باتجاه مطار T4 وتدمر ، الولايات المتحدة تريد إيصال رسائل مفادها أنها مازالت مؤثرة وقادرة على خلط الاوراق على كامل الساحات حتى وإن كانت تخطط للانكفاء ، وهي بذلك تضع الخصوم أمام خيارين إما الفوضى أو التفاوض.

محور المقاومة ومن خلفه “محور الشرق” يدرك كل ذلك ، وسيكون عليه تقدير الموقف بما يناسب عناصر القوة ، وهو يدرك أن الولايات المتحدة  لا ترغب بالتصعيد على المستوى الإقليمي ، وغايتها من تكتيكاتها الجديدة في الإقليم هي الدفع باتجاه التفاوض في ظل العجز عن المجابهة الإستراتيجية ، وأنها مازالت سائرة في سياسة التوافقات والحوار والتهدئة التي انتهجتها إدارة بايدن كسياسة لا بديل عنها لتحقيق الإستراتيجية الأمريكية الجديدة المعلن عنها على المستوى العالمي ، فهل سيختار هذا المحور وحلفاؤه مجابهة التكتيكات الأمريكية الجديدة في مختلف الساحات مستغلاً ضيق الوقت أمام الأمريكي ؟ أم أنه يرى أن السير بالتهدئة والتوافق هو الأمثل في هذه المرحلة مستغلاً استعداد الولايات المتحدة لتقديم التنازلات ؟! الأيام القادمة ستحسم ما هو التوجه ، والبداية أعتقد أنها ستكون من الملف العراقي بعيد الإنتخابات التي أنتجت خارطة مبهمة للقوى العراقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى