بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

أموال وديون ضائعة..

مريم الشكيلية

 

قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه …..). كثيراً ما أصادف، وتحدثت مع أشخاص جلست معهم، وحدثوني عن ديون الناس، وقصصهم وحكايات أخبروني بها، وكيف أن الآخرين يقصدونهم للإقتراض منهم بعضاً من المال ثم يمتد الأمر لأكثر من مرة، والبعض الآخر يكرر الإقتراض من الشخص بحجج مختلفة وكلها تختتم بالوعد، والقسم بإرجاع المال في أقرب وقت ممكن، وتمر الأيام والأشهر وحتى السنوات ولا عودة لهذا المال المقترض!!.

وكنت أستمع لهذه القصص من الناس، واعتقدت أن هذه الأمور من الإقتراض تكون في بيئة النساء فقط، ولكن عندما سألت حين شدني الموضوع برمته تبين لي بأن اعتقادي خاطىء؛ فهذه الاقتراضات ومن بعدها ديون غير مسددة؛ يشترك فيها النساء والرجال معا، وهنا لا أقصد الجميع لطفاً وإنما أتحدث عن البعض؛ عن فئة من الناس تستسهل طلب الأموال من الآخرين وتستصعب سدادها بحجة أنها لا تملك المال، وهنا أيضاً لا أتحدث بالضرورة عن اقتراض أموال كبيرة، وإنما قد تكون أموالاً معدودة، ولكنها مع الأسف أيضاً لا ترد إلى أصحابها!!.

ثم إن الديون المستحق سدادها ليست فقط بين شخصين، وإنما أيضاً هناك أموال وديون لم تسدد بين المشتري والتاجر الذي يملك محلا صغيرا يكسب منه قوته !!.

مع الأسف عندما تستمع لهم يقصون عليك عجائب القصص عن أناس اشتروا منهم بالدين ولم يسددوا ديونهم؛ حتى أن البعض منهم لم يسدد لسنوات طويلة، وفي كل مرة يكرر سوف أدفع ديني عندما كذا وكذا، وكلها أعذار واهية، والبعض الآخر يقصد التاجر ويشتري منه لمرة واحدة وبالدين ثم لا يراه بعد ذلك أبدا حتى لا يطالبه بالدفع!!.

وأيضاً هناك نوع آخر من الديون الضائعة التي تترك أصحابها دون حساب للضمير، وهي ديون تقديم خدمة معينه وأمثلة على هذه الخدمات (صالونات تجميل، ونساء يمتهن عمل الحناء…) وغيرها من الخدمات التي انتشرت في وقتنا الحالي.

فلو استمعتم لقصص هؤلاء؛ لشاب شعر رأسكم من غرابتها وحيلها!!. والأغرب من كل هذا هو عندما يعتذر الشخص عن إقراض الشخص الآخر للمال بعد تكرار الأمر دون سداد المال السابق؛ فإنه يعاملة بعدها معاملة سيئة أو جافة أو حتى يصل الأمر به أنه يتحدث عنه بين الناس بصفات سيئة في محاولة لتشويه صورته أو سمعته أمام الناس!!.

إن إنتشار هذا السلوك في مجتمع مسلم يعي تماماً أهمية سداد الدين وعواقبه الوخيمة على الفرد في الدنيا والآخرة؛ لهو أمر لا يمكن إلا أن نقف عنده بشيء من التفكير والتعمق، وإنني أرى أن غياب الحقوق بهذا الشكل لهو كفيل بأن يترك شرخا في النفوس بين الناس في الدنيا وما يترتب عليه من عقاب في الآخرة، وليس هذا فحسب وإنما أرى أن إنتشار هذه الأفعال يترتب عليها قلة البركة في الأموال، وإنتشار السخط وعدم الرضا بما قسمه الله تعالى من رزق، والسعي الدائم لما في يد الآخرين من وفرة في المال، والتحايل بقصص سخيفة للاقتراض من الآخرين وعدم سداد الدين لاحقاً…

إن الإقتراض الذي أتحدث عنه اليوم ليس الإقتراض الذي يقصده الناس في الحالة الملحة التي تستدعي فعلاً أن أقترض من الآخر؛ كمثال : الحاجة للمال لظرف صحي، أو غيرها من الأحداث التي تصادف الناس دون أن تكون في الحسبان، وهم لا يملكون المال الكافي لقضاء تلك الحاجة، وإنني أعلم أن اليوم هناك أناس فعلاً بحاجة إلى وقوف الناس معهم ومنها أنهم لا يملكون وظيفة تسد حاجاتهم أو مسرحين من أعمالهم وهم يعولون أسر تقطعت بهم السبل في ظرف معين؛ هنا وجب على الخيرين أن يسعوا للمساعدة إذا كان باستطاعتهم؛ فلهم أجر فك الكرب عن محتاج، ولكنني أتحدث عن الإقتراض لأسباب سخيفة جداً جداً؛ مثال : أن أتعرض لضعظ من ابنتي أو ابني لأنها تريد أو هو يريد شراء هاتف نقال على مستوى عالٍ من الجودة أو أحدث طراز من نوع معين من تلك الهواتف المعروضة، أو شراء كماليات وبأخر صيحات الموضة، أو أن أقترض لسفر لعدة أيام حتى يراني الناس أنني أتجول و أسافر، وأنني أعيش برغد عيش، أو أنني أريد أن أعيش مثل فلان وفلان حتى لو على حساب الآخرين؛ هذه وغيرها من الأسباب التي لم ينزل الله بها من سلطان!!.

إنني في نهاية هذا المقال أرجو من الجميع أن يكونوا أكثر وعياً وإدراكاً، وأن نساهم جميعا في الحد من إنتشار هكذا سلوكيات سيئة تخلف ما تخلفه من أكل للحقوق، واتكالية في الحصول على المال، وإشعال الضغائن بين الناس ،وتكون هي سبباً لقله البركة والخير في المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى