مقالات وآراء

عُمان أمانة..

 

 

الدكتورة/ رضـية بنت سليمان الحبسية

 

 

عُمان أمانة..

 

مما لا شك فيه أنّ للأزمات مخاطر جمّة، وحُسن إدارتها يتطلب إدراك لطبيعة الأزمة ذاتها، وفهم تقنيات التعامل معها، وعلى قدر تلك الأهمية، تأتي أهمية الوعي بأنّ لكل عصر أدواته ومنهجياته في إدارة الأزمات على تنوع مصادرها، وباختلاف شدة وحدّة تأثيرتها، تنوع وتعدد انعكاساتها، تداخل وتعقيد مكوناتها. إنّ ما يعيشه العالم اليوم من ضجيج جرّاء الأزمات الاقتصادية وتفاقمها مع تأثيرات أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، التي فاقت كل الاحتمالات، وعجز التّطور العلمي والتقني عن القضاء عليها، مع انقضاء مايزيد على العام من تاريخ تفشيها.

وفي هذه المقالة، لست بصدد الحديث عن أزمة العصر المذكورة، ولا بيان الجهود المبذولة، في سبيل احتوائها، أو التقليل من خسائرها؛ حيث تعددّت الأقلام وتنوّعت في ذات المجال، مما يجعل ديمومة الكتابة فيها أمرًا يبعث الضجر والسأم، ومشاعر مبعثرة بين القلق والانزعاج؛ إنما تهدف  سطور هذه الفقرات للحديث عن خطورة لا تقل عن تلك الأزمة حجمًا وأثرًا .. إنّها “المقاومة“، والمتمثلة في مقاومة التطوير والإصلاح؛ للعبور بأرض الغبيراء إلى بر الأمان، وفق خطط مدروسة، لتخرج إلى حيّز التطبيق عبر رؤى مستقبلية، وإجراءات مُحكمة تتناسب والعصر الحديث.

لا أحد ينكر صعوبة التغيّر في نمط الحياة، أو التنازل عن مظاهر الثّراء والبهرجة طواعية أو عنوة وكراهية؛ إنما تغليب مصلحة الوطن بمنجزاته، ومكوناته غاية أسمى لدى الجميع؛ لذا إنّ ما تنتهجه الحكومات لقيادة بلدانها، يعتمد بالدرجة العظمى على قوة التطلعات، ومتانة البِنى الأساسيّة لتلك الدول، وما تسعى إليه عُماننا الحبيبة، ممثلة في حكومتها الرشيدة، أنموذجًا يُحتذى به بشهادة المراقبين والمنظمات الدولية المتخصصة سياسيًّا واقتصاديًّا؛ فالمطلوب من أبنائها الأوفياء، فهم تلك الجهود والمساعي؛ للوصول بها إلى مصاف الدول المتمكنة، ولن يتأتى ذلك إلا بانتعاش اقتصاد الدولة بموارده المتعددة، كما لن يكون لها ما تشاء، دون انتقاء أفضل السبل، وأنجع الحلول؛ لانتشال البلاد إلى مستقبل أفضل.

وتُعدُّ “الشائعات” من أخطر الأزمات نوعًا، في خضم سيطرة الوسائط غير الرسمية، والمتميزة بسرعة تدفق المعلومات وتداولها، موثوقة أو مشوّشة، والغلو في التعبير عن وجهات النظر، والتراشق بالانتقادات، اعتمادًا على مصادر معلوماتية غير رسمية، ولها من المآرب ما لها؛ لزعزعة أمن واستقرار الشعوب، أو دحض جهود الحكومات، والانتقاص من أهميتها، والتنكيل بخططها؛ لكيلا تصل إلى ما تصبو إليه، ولنا في التاريخ دروس وعبر مما حلّ بكثير من الدول، ولم تتعافى برغم مرور أكثر من عشر سنين من ثوراتها السياسية أو الاجتماعية، ولن يكون لها ما أرادت بسبب غياب الثقة بين الأحزاب المكونة لها.

وهنا تأتي أهمية الثقة المتبادلة بين الأطراف كافة، من ذوي المصالح والعلاقة بنهضة الوطن، وحاجة بلادنا إلى الشفافية في التزام تلك الفئات بقيم وأخلاقيات البناء والتعمير التي تأسس عليها هذا البلد الأصيل، والاستفادة من الخبرات التخطيطية السابقة؛ لكسب ثقة المواطن تجاه التغيير الذي ننشده جميعًا، فُرادى ومؤسسات، حكومةً وشعبًا.

يواجه تنفيذ الخطط المستقبلية تحديات مختلفة، يتمثل أهمها في الحفاظ على توازن أركان المجتمع، وتماسك أفراده، خاصة في ظل التضحيات المالية، وفي سلطنة عُمان، ومما لا شك فيه تباين تأثر الأفراد والقطاعات، نتيجة خطط التوازن المالي متوسطة المدى (2021-2024)، إلا أنّ المرامي لإحداث نقلات نوعية على الأصعدة كافة، لتأمين مستقبل أجيال عُمان، يستحق تكاتف وصبر الجميع؛ لتخطي واقع قد يكون مؤلما، لمرور جسر التحدي، نحو عالم أكثر رخاء، ورقي وبقاء، ولن يبلغ السعيّ محامده مالم نُراجع أنفسنا، ونقيّم ممارساتنا، وإعلاء المصلحة الجماعية، وجُلّ ذلك يعتمد على توفر الوعي، ودرجة التمكن الفردي والمؤسسي؛ لدفع رحى التنمية بُخطى واثقة، بالالتزام الجاد، والتعاون الحقيقي، دون اللجوء إلى الصناديق السيادية، وبعزيمة خاصة وحكومية؛ للعبور الآمن بموطن العز والمهابة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى