بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

القيمة تُقاس بالمكان

بقلم/ محمد بن العبد مسن

 

ليس كل جوهرةٍ تُبهر، ولا كل عظيمٍ يُقدّر، إن وُضع في غير موضعه.
فللقيمة سياق، وللعظمة مكان، وللأشياء منازل لا تليق بها سواها.

العقل الراجح إن وُضع بين أهل الجهل، اتُّهِم بالغرور.
والكلمة الصادقة إن قيلت في مجلس الخوف، حوصرت بالصمت.
والمبدع إن عاش في بيئة لا ترى إلا المعتاد، كُسر جناحه، قبل أن يُحلّق.

قيمة الشيء لا تكمن فيه وحده… بل في المكان الذي يُوضع فيه.
فالذهب في قاع البحر لا يلمع، لكنه لا يفقد قيمته… فقط يحتاج لمن يُخرجه ويضعه حيث يُقدّر.

كم من شخصٍ عاش منبوذًا في محيط لا يُنصف، فقط لأنه سابق زمنه، أو أوسع من حدود مجتمعه. لم يكن ناقصًا، بل كان في المكان الخطأ.
وكم من فكرةٍ ماتت قبل أن تولد، لأنها قُدّمت لمن لا يدرك وزنها.

في الحياة، المكان الخاطئ يُفرغ الأشياء من معناها، ويقلل من قيمتها، ويُشوه جمالها. حتى أثمن ما تملك قد يُساء فهمه إن لم يُعرض على من يُحسن تقديره.

وهنا تظهر الحكمة: أن تعرف متى ترحل، ومتى تصمت، ومتى تُظهر ما تملك، ومتى تحتفظ به لنفسك. فليس كل مكان يستحقك، ولا كل الناس يعرفون وزنك.

كما قال الإمام الشافعي:
“ما جادلتُ عالِمًا إلا غلبتُه، وما جادلتُ جاهلًا إلا غلبني.”
لأن الجدل، كغيره، لا يؤتي ثماره إلا حين يُمارس في بيئته، مع من يُتقنه.

العبرة ليست بما لديك، بل أين تضعه.
فالعين لا تُبصر النور إن وُضعت في الظلام، والصوت لا يُسمع إن صرخ في الفراغ، والمعدن النفيس لا يُزهر إن دُفن في الوحل.

لذلك، حين لا تُقدَّر… لا تُشكك في نفسك.
بل راجع المكان، لا القيمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى