
معالم «عقيدة القوّة» و «أخلاق الجماعة»
الدكتور عدنان بن أحمد الأنصاري
دبلوماسي ، ومحلل سياسي ، وسفير سابق
في عالمٍ لا يحترم إلا من يملك أدوات قوّته بيده، تختصر آيتان من القرآن معالم «عقيدة القوّة» و«أخلاق الجماعة» : ﴿#مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ﴾ [الفتح: 29]؛ و ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: 60]. الأولى ترسم المزاج الداخلي: تماسكٌ ورقّةٌ بين أبناء الجماعة، وحزمٌ وصلابةٌ مع المعتدي. والثانية ترسم هندسة الردع: إعدادٌ متواصلٌ لمصادر القوّة المادّية والمعنوية.
إنّ مأساة فلسطين اليوم تكشف الفجوة بين النصّ والتطبيق : شعبٌ يُباد ويُشرّد ويُجوّع، فيما رسائل الردع العربية مشتّتة، والرحمة بيننا مجروحة بالتخوين والاستقطاب.
1) «رحماء بينهم» = رأس مال اجتماعي منضبط..
في الواقعية، تماسك الداخل شرط ضروري للنفوذ الخارجي؛ فالتحالفات تُبنى على «قابلية الاعتماد». الآية تُحدّد معيار الانضباط الداخلي : رحمةٌ تنتج ثقةً، وثقةٌ تنتج امتثالًا، وامتثالٌ يتيح تعبئة موارد الدولة والمجتمع. أيّ انقسام داخلي ينسف القدرة على الردع حتى لو توفّرت الأسلحة. هذا من صميم دروس «إدارة التناقضات» للسلّم والردع.
2) «أشدّاء على الكفّار» = عقيدة ردع، لا نزق انفعالي..
«الشدّة» هنا ليست تهوّرًا؛ إنّها انضباطٌ في استخدام القوّة ضمن #معادلة الردع. الفوز عبر تفوّق نفسي ومرحلي وتجنّب الاشتباكات غير الضرورية – أقرب إلى لعبة الـ«وي تشي» الصينية : تحاصر الخصم بالمواقع، لا بالصرخات. وهذا جوهر «وأعدّوا» : إعدادٌ متدرّج يراكم القوّة ويجعل كلفة العدوان على الخصم غير محتملة.
3) «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة» = منظومة شاملة للقوّة..
التفسير المعتبر يوسّع «القوّة» لتشمل كلّ صنوف القدرة : العسكرية، الاقتصادية، المعرفية، والتكنولوجية. اليوم تُقرأ الآية بمنطق «القوّة المركّبة» (Comprehensive National Power) : صناعة عسكرية ذكيّة، أمن غذائي ودوائي، بنية تحتية رقمية، طاقة نظيفة، وسلاسل إمداد مؤمّنة.
4) «رحماء بينهم» كمؤسّسة لا عاطفة..
ميثاق مجتمع يجرّم التحريض المذهبي والقبلي، ويكافئ مبادرات التكافل الإنتاجية (وقف تعليمي، صحّة أولية)، لأنّ الرحمة المُمأسسة تتحوّل رأس مال اجتماعي يضاعف النمو.
القرآن قدّم المعادلة : وحدة داخلية رحيمة + شدّة منضبطة على المعتدي + إعداد دؤوب لمصادر القوّة. أدرْ توازن القوى بعقل بارد، واربح المواقع قبل المعارك.
من لا يُصلح مؤسّساته سيُدار من الخارج. فلسطين اليوم امتحانٌ لهذه الثلاثية: من دون قدرةٍ عربيةٍ مركّبة سيظلّ دمها أرخص كلفةً لخصومها.
طريق الـ 1000 يوم (خارطة تنفيذ مكثّفة)..
1. قرار سيادي مشترك : مجلس تنسيق عربي مصغّر (5–7 دول) بسلطة تنفيذية على ملفات التصنيع الدفاعي، الأمن الغذائي، واللوجستيات.
2. حزمة «قوّة أولى» : ثلاثة مصانع مسيّرات، شبكتان دفاع قصير المدى، ومركز حرب سيبرانية إقليمي بتمويل سيادي مشترك ونقل تقنية ملزم بالتوطين.
3. «قانون الإنتاجية» : إعفاءات مشروطة بالتصدير والتوظيف التقني، ومسطرة موحّدة للترخيص خلال 15 يومًا، وقضاء تجاري سريع.
4. جامعة تقنية عربية عابرة للحدود : فروع في ثلاث عواصم، مناهج مشتركة، وتمويل من رسوم سيادية على السلع الكمالية.
5. برنامج قدرة فلسطيني: ممرّات إنسانية محميّة، صندوق إعمار مبرمج، و10 آلاف منحة سنوية في مساراتٍ مدنيةٍ تُقاوم الدمار بالتعلّم والعمل.
إذا فعلنا ذلك، تصبح «الشدّة» ردعًا عاقلًا، و«الرحمة» نظامًا اجتماعيًا منتجًا، و«وأعدّوا» مشروعًا اقتصاديًا.