بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

هل تسلم حماس سلاحها للجانب المصري قبل المرحلة الثانية ؟!

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية saadadham976@gmail.com

 

في لحظةٍ فارقة من تاريخ المنطقة، تقف غزة على مفترق طرقٍ حادٍّ بين هدير السلاح ونبض الدبلوماسية، بين مشروع المقاومة ومشاريع التسويات، وبين قرارٍ يخصّ الوجود لا الحدود. في الأفق يلوح سؤالٌ مثقلٌ بالاحتمالات والمخاوف : هل ستسلِّم حماس سلاحها للجانب المصري قبل انطلاق المرحلة الثانية من التسوية ؟!. أم أن ما يُراد تمريره هو إنهاء للمقاومة تحت لافتة “الضمانات الأمنية”؟!.

المرحلة الثانية من الهدنة المنتظرة ليست مجرد بند تفاوضي، بل اختبار لإرادة الأطراف؛ مصر بثقلها التاريخي والجغرافي، تتحرك على خيوطٍ دقيقة بين واشنطن وتل أبيب والدوحة وغزة.

الجميع يعرف أن القاهرة لا تنظر إلى الملف الفلسطيني بعيونٍ سياسية فقط، بل بعيون أمنٍ قومي ممتدة من رفح إلى البحر المتوسط، ومن سيناء إلى حدود السلطة الفلسطينية.

لكنّ تسليم السلاح – إن حدث – سيعني تحوّلًا جذريًا في معادلة القوة داخل القطاع فـ حماس التي نشأت على قاعدة “المقاومة المسلحة” لن تكون ذاتها إن تخلّت عن سلاحها، حتى ولو تحت إشراف مصري أو أممي.

هنا جوهر السؤال : هل تملك الحركة هامش قرارٍ مستقل، أم أنها باتت رهينة لتوازنات إقليمية كبرى تفرض عليها شروط البقاء في المشهد ؟.

الولايات المتحدة تسعى لتثبيت ما تسميه “ضمانات أمن إسرائيل” قبل أي إعادة إعمار أو انسحابٍ جزئي.
بينما تحاول القاهرة الموازنة بين مبدأ “عدم نزع سلاح المقاومة بالقوة” وبين متطلبات استقرار الحدود.
أما تل أبيب فترى في المرحلة الثانية فرصة لتجريد غزة من مصادر قوتها تحت غطاءٍ إنساني، قبل إعادة هندسة المشهد السياسي عبر سلطة موحدة تخضع للرقابة الدولية.

في الكواليس، تُطرح سيناريوهات متشابكة :

أن تتسلم مصر مؤقتًا إدارة الجانب الحدودي، وسلاح الفصائل الثقيلة تحت صيغة “إيداع أمني”، إلى حين استكمال الترتيبات السياسية. أو أن يُجرى دمج عناصر المقاومة ضمن قوة أمنية مشتركة تشرف عليها القاهرة والأمم المتحدة.

وهناك من يروّج لفكرة “الممر الآمن” الذي يُتيح مراقبة السلاح لا مصادرته، لتفادي انفجارٍ شعبي داخل القطاع.

غير أن الواقع أعقد من أي صيغة جاهزة. فالسلاح في غزة ليس مجرد بندقية، بل رمز للكرامة والهوية، وذاكرة الدماء التي سالت عبر الحروب؛ أي محاولة لانتزاعه حتى لو كانت برعاية عربية؛ ستُقرأ داخل المخيمات والأنفاق كإعلان نهاية مرحلة المقاومة.

من هنا تبدو القاهرة في موقف بالغ الحساسية. فهي تدرك أن استقرار غزة جزء من أمنها الوطني، لكنها تعلم أيضًا أن فقدان حماس لسلاحها دون بديل سياسي واضح سيولّد فراغًا قد تملؤه فصائل أكثر تشددًا. لذلك تفضل مصر نهج “التدرج الهادئ”، أي ضبط السلاح وتنظيمه بدلًا من نزعه الكامل، في إطار تفاهمات تضمن هدنة طويلة الأمد.

يبقى السؤال الأكبر : هل تسمح إسرائيل فعلًا بميلاد واقعٍ جديد تحت الوصاية المصرية ؟ أم أنها تناور لكسب الوقت، قبل العودة إلى مربع النار حين تنضج أوراق الضغط ؟.

المرحلة القادمة ستكشف ما إذا كانت غزة ستدخل عهد “الأمن المشروط”، أم أن المقاومة ستجد صيغة تحفظ سلاحها في ظل تسوية واقعية. وفي كل الأحوال، يظل الدور المصري هو الأكثر محورية، لأنه لا يمثل فقط الوسيط بين الخصوم، بل الحارس الأخير لتوازن الشرق الأوسط بين الفوضى والنظام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى