بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الكافيهات بين الظاهرة الاجتماعية وضوابط الشرع

أحمد الفقيه العجيلي

 

 

لم تعد الكافيهات في واقعنا المعاصر مجرد أماكن لشرب القهوة أو لقاء عابر، بل تحولت – لدى بعض النساء على وجه الخصوص – إلى مساحات حضور متكرر بكامل الزينة، واختلاط مفتوح بالرجال بلا حاجة أو ضرورة، وهو ما يفرض وقفة صادقة مع ميزان الشرع والعرف والقيم.

فالإسلام لم يأتِ ليُضيّق على المرأة أو ينتقص من مكانتها، بل وضع ضوابط واضحة لصونها وصيانة المجتمع.
قال الله تعالى:
﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ الأحزاب 33

وقال سبحانه:
﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾. النور 31

وهذه التوجيهات ليست شكلية، بل مقصودها حفظ الحياء وسد أبواب الفتنة.

إن الخروج المتكرر بكامل الزينة إلى أماكن يغلب عليها الاختلاط واللهو، والجلوس الطويل فيها دون حاجة واضحة، يُضعف معنى الحياء بالتدريج، ويحوّل التبرج من استثناء إلى اعتياد.

وقد قال النبي ﷺ:
«ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء»
أخرجه البخاري (5096)، ومسلم (2740)

وهو تحذير من آثار التساهل في الضوابط، لا اتهامًا ولا انتقاصًا.

ولا تقف الآثار عند الجانب الفردي، بل تمتد إلى البنية الأخلاقية للمجتمع؛ إذ يختل ميزان القيم، وتضعف الغيرة، ويُعاد تعريف الحياء بوصفه تراجعًا لا خُلُقًا.

ومع الوقت، تتسع دائرة المقارنات، ويُستنزف الوقت والمال في مظاهر لا ضرورة لها.

وقد أقسم الله بالوقت فقال:
﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾

كما أخبر النبي ﷺ أن الإنسان يُسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه.
أخرجه الترمذي (2417)

فإذا اجتمع ضياع الوقت، وهدر المال، وتراجع الحياء، كان الخلل أعمق من مجرد عادة عابرة.

ومع التأكيد على أن هذا الطرح لا يعمّم ولا يتهم كل امرأة، ولا يُنكر وجود حضور واعٍ ومنضبط، إلا أن السكوت عن هذا المسار المتساهل يُسهم في تطبيعه حتى يصبح هو القاعدة.

القضية ليست مكانًا نُدينه أو نبرّره، بل وعيٌ يُوجّه، وحدودٌ تُحترم، وحياءٌ يُصان.

فحين تختل البوصلة، لا يكون الخلل في فنجان قهوة، بل في ثقافةٍ فقدت ميزانها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى