بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

مزحة صغيرة غير محسوبة ومكياج لافت يغيران أجواء تجمع العائلة الأسبوعي!!

الكاتب أ. عصام بن محمود الرئيسي
مدرب بروتوكول ومراسم – مؤلف أعمال متخصصة في المراسم والتشريفات

 

 

في أحد التجمعات العائلية، حضرت ليلى، ابنة الأخ الاكبر في العائلة، إلى المجلس مرتدية زيًا أنيقًا، وقد وضعت مكياجًا لافتًا أكثر من المعتاد. لفت المظهر انتباه الجميع، وبدأ أحد الأخوة بالتعليق قائلاً بنبرة ساخرة: “يا ليلى، هل هذا المكياج لإحدى المناسبات الكبرى أم للمجلس فقط؟”، مما سبب إحراجًا واضحًا لها أمام باقي أفراد الأسرة. لاحظت الأم التوتر، فابتسمت وقالت بهدوء: “الكل هنا ليشاركنا الحديث والود، وليس لإطلاق الأحكام على المظهر. دعونا نستمتع بالجلسة ونحافظ على احترام بعضنا.”.

تعلم الجميع درسًا مهمًا: الانتقاد الصريح للمظهر قد يخلق إحراجًا ويفسد جو المحبة في المجلس. ومنذ ذلك اليوم، أصبح أفراد الأسرة أكثر حرصًا على اختيار كلماتهم بعناية، وإذا أرادوا تقديم ملاحظة، يحرصون على صياغتها بأسلوب لطيف وراقي، مع التركيز على الإطراء قبل الملاحظة. وهكذا عاد المجلس لدفئه المعتاد، واستمتع الجميع بالحوار والضحك في جو من الاحترام والمحبة.

هذه القصة تؤكد لنا أن المجالس العائلية أكثر من مجرد تجمع للأهل؛ فهي مساحة للتواصل، وتبادل الخبرات، وغرس القيم الأخلاقية بين أفراد الأسرة. ففي هذه المجالس، تظهر شخصية الفرد وذوقه في الحوار، وتتضح مدى احترامه للآخرين، سواء كانوا صغارًا أم كبارًا. ولأن الكلمة تعكس الثقافة والتهذيب، فإن طريقة الحديث وأسلوب المزاح والتعبير عن الرأي تصبح عوامل أساسية في بناء روابط أسرية متينة، والحفاظ على جو من المودة والمحبة داخل الأسرة.

حدود المزاح: فن الفكاهة بحكمة:

المزاح الخفيف والمحسوب من أجمل وسائل التواصل الاجتماعي في الأسرة، فهو يخفف التوتر ويضفي جوًا من المرح على المجلس. لكن المزاح يحتاج إلى حكمة، فلا يُسمح له بأن يجرح الآخرين أو يقلل من شأن أحدهم، وخصوصًا الأكبر سنًا. المزاح الذي يسيء إلى شعور الآخرين يمكن أن يتحول سريعًا إلى مصدر خلاف وسوء تفاهم.

الإسلام يوجهنا دائمًا إلى حسن الكلام والكلمة الطيبة، فقد قال النبي ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” وهذا يشمل المزاح أيضًا؛ فالمزحة الرقيقة التي تُدخل البهجة على القلوب هي أمر محمود، بينما المزاح الجارح مرفوض ويهدم أجواء المجلس. لذا، يجب على كل فرد ضبط نبرة كلامه واختيار الكلمات بعناية، لضمان أن يكون المجلس بيئة من الود والمحبة، لا مكانًا للإحراج أو الإساءة.

آداب الحوار مع الجميع وخاصة الأكبر سنًا:

الحديث الراقي في المجالس العائلية يتطلب الالتزام بآداب الحوار، ومنها: الاستماع قبل الكلام، وعدم مقاطعة الآخرين، والتعبير عن الرأي بطريقة مهذبة. احترام وجهات النظر المختلفة، حتى لو اختلف الفرد مع الآخرين، يعكس نضج الشخص وثقافته.

عند الحديث مع الأكبر سنًا، يجب مراعاة مكانتهم وخبرتهم، باستخدام كلمات التقدير والاحترام، وتجنب السخرية أو المزاح المبالغ فيه. الحوار مع الصغار أيضًا يحتاج إلى صبر ولطف، لتعليمهم كيفية التعبير عن أفكارهم بأدب، وغرس قيم الاحترام المتبادل منذ الصغر.
هذا النوع من الحوار يعزز الانضباط الاجتماعي داخل الأسرة ويشجع على نقل القيم النبيلة بين الأجيال.

المجالس العائلية إذن ليست مجرد مكان للحديث العابر، بل فرصة لتقوية العلاقات، وغرس مبادئ الاحترام والتقدير في نفوس الجميع.

النكهة الدينية والأخلاقية للحوار الراقي:

الأسرة هي المدرسة الأولى لغرس القيم الأخلاقية والدينية. الإسلام يشدد على حسن الخلق والكلمة الطيبة، ويحث على التعامل بالحكمة والرفق مع الآخرين. فاحترام الكبير ومجاملة الصغير بالكلمة الطيبة لا يعكس فقط تهذيب الفرد، بل يساهم في بناء مجتمع متماسك ومحب.

المجلس العائلي يمثل فرصة لنقل التجارب، وتبادل المعرفة، وغرس الأخلاق الحميدة. من خلال الحديث الراقي، يمكن للآباء والأمهات تعليم أبنائهم أهمية الصبر، واللباقة، والاحترام في جميع مجالات الحياة. وهكذا، يصبح الحديث داخل الأسرة أداة تربوية تسهم في تشكيل شخصية الأطفال وتوجيههم نحو سلوكيات راقية ومسؤولة.

خاتمة: المجالس مرايا لقيمنا:

لباقة الحديث واحترام الكبير والصغير ليست مجرد قاعدة اجتماعية، بل انعكاس للثقافة الدينية والهوية الوطنية. إن المحافظة على حدود المزاح، والاستماع للآخرين، واختيار الكلمات الطيبة، تجعل المجالس العائلية بيئة صحية للتواصل، وغرس القيم، ونقل الخبرات بين الأجيال.

المجالس العائلية هي مرآة لقيمنا، والكلمة الطيبة هي أجمل زينة فيها. فمن خلالها، يمكن لكل فرد أن يعكس حضوره الراقي، ويترك أثرًا طيبًا في نفوس الآخرين، ويغرس في بيئة الأسرة الحب والاحترام والمودة.
وعلى الخير نلتقي والمحبة نرتقي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى