مقالات وآراء

بين جنبات الحارة القديمة .. تفاصيل حياة سعيدة..

الإعلامي/ سعيد بن سيف الحبـسي

wwws9@hotmail.com

 

بين جنبات الحارة القديمة .. تفاصيل حياة سعيدة..

 

حارتي القديمة وما بقي بها من أطلال تذكرني بذلك الماضي الجميل الذي عشناه بين جنباتها ونحن صغار ، والتي امتزجت فيها براءة الطفولة وعفويتها وبساطتها مع عظمة المكان ، حيث بيوت الطين بغرفها الصغيرة وبقلوب ساكنيها العامرة بالعطاء النابضة بالحب والبشاشة والصفاء ، وبفلجها المتدفق بغزارة الذي لا ينضب معينه يسقي الأرض والإنسان فيها ، حارة عشنا فيها مع آباء وأمهات قد رحلوا عن حياتنا الدنيا إلى دار القرار  ، ومع أصدقاء كرام البعض منهم قد فقدناهم وهم في عز الشباب والبعض لا زال معنا يقاسي معاناة هذا الزمان ، ما أجملها من حياة عندما تشرب من ماء تلك (الجحلة) وهي الوعاء المصنوع من الفخار يوضع فيه الماء ليبرد ويشرب منها الجميع ، وترتشف فنجان القهوة مع بضع من التمرات ، ما أروعها من حياة وأنت تتوجه إلى مسجد الحارة الصغير الذي تلتقي فيه بالجميع بلباسهم الأبيض النظيف والعمائم البيضاء والمصار ذات النقوش الخفيفة ، جميلة كانت تلك الحياة رغم قلة ما في اليد من مال ، فهي رحلة تعايش فريدة من نوعها لن يكررها الزمان ، رحلة رحلت بكل تفاصيلها الجميلة ، ورحلت مع  رجالها ونسائها الكرام ولم يبقى منهم إلا القلة الذين يذكروننا بالماضي الأصيل .

كان الجار لجاره في وقت الرخاء والشدة ، في فصل الصيف والشتاء ، كانوا لا يسأمون من جيرانهم ، كانوا لهم السند والعون ، كانوا يأمنون على أبنائهم معهم في أثناء غربتهم وسفرهم لكسب الرزق ، كان الجار يستأمن جاره في كل ماله فلا يخاف من خيانة جاره للأمانة ، كانت بيوتهم مفتوحة لكل زائر من حضري وبدوي ، كانت السماحة سمتهم ، والتواضع منهجهم ، والكرم ديدنهم ، كانت قلوبهم متقاربة ، يتناصحون فيما بينهم ، كانوا يساعدون المعسر بلا من ولا أذى ، ويزرون المريض بلا مباهاة ولا  معاناة ، ويواسون صاحب الفقد جبرا لفقدهم عزيزا عليهم ، كانوا يتشاركون اللقمة الواحدة غداء وعشاء ، ويخففون على بعضهم البعض مما يعانون من مصاعب الحياة وقسوتها .

كم كانت تلك الحياة  جميلة ببساطة التعليم فيها ، حيث تعلم القرآن الكريم والفقه والعقيدة والسيرة النبوية واللغة العربية بنحوها وبلاغتها وشعرها وفصاحتها  ، بسيطة في المعيشة حيث الزراعة والتجارة والصناعات الحرفية مثدرا للرزق والكسب الحلال ، بسيطة بقرب أهلها من ربهم ، بسيطة في حلوها ومرها  ، حياة أشتقنا إليها رغم قلة ما في اليد حينها ، لكونها حياة كانت القلوب فيها غير قاسية ، كان الناس فيها لا ينظرون للمناصب ، حياة لم يبقى منها إلا الذكريات الجميلة التي ستبقى في ذاكرتنا بقدر ما سنحيا في هذه الدنيا .

كلـمـة أخـيـرة..

الحارة العمانية رمز للأصالة والأمانة ، ومنهج حياة يدرس للأجيال لمفهوم التعايش السلمي ، هي حضن للتسامح والتعاون والتكاتف والتكافل الاجتماعي والمحبة والإخاء ، هي رسالة مفادها (أننا راحلون .. وتبقى الأخلاق والذكريات والعمل الصالح) ، إنها الحارة العمانية بكل مفرداتها الرائعة تنسج حروف الإنسانية نسجا وتلبسه للدهر عزا وفخرا ، وتنشره في الأرجاء بلسما وعطرا ، فما أجملك من حياة لو تعود في زماننا هذا رأفة بنا من زخرف الحياة الزائفة…

تعليق واحد

اترك رداً على المهندس رياض الغريري إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى