
طشقند – بروكسل : مرحلة جديدة من التعاون مع أوروبا
تقـريـر/ أصـــداء
في 23 أكتوبر، وصل رئيس جمهورية أوزبكستان شوكت ميرضيائيف إلى بروكسل في زيارة رسمية.
تُعدّ بلجيكا، التي تحتضن عاصمة الاتحاد الأوروبي – بروكسل، لاعبًا رئيسيًا في صياغة السياسات الأوروبية الشاملة وجدول الأعمال الاقتصادي.
فبروكسل ليست فقط المركز السياسي لأوروبا، بل هي أيضًا ملتقى تتقاطع فيه مصالح المنظمات الدولية الرائدة، والبعثات الدبلوماسية، والمؤسسات المالية. وهنا تُتخذ القرارات التي تحدد الاتجاهات الرئيسية لتطور الاتحاد الأوروبي وعلاقاته مع الشركاء الخارجيين.
تُعتبر زيارة الرئيس الأوزبكي محطة محورية في تاريخ العلاقات الثنائية والتعاون بين أوزبكستان والاتحاد الأوروبي. وخلال الزيارة تم توقيع اتفاقية الشراكة والتعاون المعززة والشاملة الجديدة بين أوزبكستان والاتحاد الأوروبي، والتي تهدف إلى رفع مستوى التعاون إلى مرحلة نوعية جديدة، تعكس الإصلاحات الديناميكية والسياسة الخارجية النشطة لأوزبكستان.
تأسس أساس العلاقات مع الجماعات الأوروبية في 15 أبريل 1992 بتوقيع مذكرة تفاهم بين حكومة أوزبكستان والمفوضية الأوروبية. وتم تأسيس العلاقات الدبلوماسية في 16 نوفمبر 1994، وفي عام 1995 افتتحت سفارة أوزبكستان في بروكسل؛ التي تعمل أيضًا كممثلية لدى الاتحاد الأوروبي. ومنذ عام 2011، تعمل بعثة الاتحاد الأوروبي في أوزبكستان بالعاصمة طشقند.
وخلال السنوات الماضية، قام رئيس المجلس الأوروبي بثلاث زيارات إلى أوزبكستان – في أعوام 2019، 2022، و2025 – بالإضافة إلى زيارةٍ قامت بها رئيسة المفوضية الأوروبية عام 2025.
تشارك أوزبكستان بنشاط في تطوير التعاون ضمن صيغة “آسيا الوسطى – الاتحاد الأوروبي”.
ففي 2 يونيو 2023، عقد الرئيس ميرضيائيف لقاءً مع شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، على هامش اجتماع قادة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي في تشولبون-آتا. كما التقى برئيس المجلس الأوروبي في 18 سبتمبر 2023 أثناء مشاركته في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وتبعت ذلك لقاءات أخرى في 1 ديسمبر 2023 في دبي، و12 نوفمبر 2024 في باكو، خلال قمم المناخ للأمم المتحدة.
وبمبادرة من الرئيس ميرضيائيف، انعقدت القمة الأولى بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي في سمرقند في 4 أبريل 2025، بمشاركة رئيسي المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية، أنطونيو كوستا وأورسولا فون دير لاين، إلى جانب رؤساء دول آسيا الوسطى. وشارك قادة الاتحاد الأوروبي أيضًا في افتتاح منتدى سمرقند للمناخ في اليوم نفسه. وفي ختام القمة، تم اعتماد إعلان مشترك أعلن عن رفع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، إضافة إلى إعلان نوايا لتعزيز التعاون في مجال المواد الخام الحيوية.
ومن أبرز الإنجازات في العلاقات بين أوزبكستان والاتحاد الأوروبي حصول أوزبكستان على صفة المستفيد ضمن نظام الأفضليات المعمم بلس (GSP+)، الذي يمنحها وصولًا تفضيليًا إلى السوق الأوروبية.
وقد ساهم هذا الوضع في نمو الصادرات الأوزبكية إلى أوروبا، كما اعتُبر اعترافًا بتقدم البلاد في مجالات حقوق الإنسان، ومعايير العمل، وحماية البيئة، والحكم الرشيد.
ومن آليات التعاون المهمة في المجالات الاقتصادية والتجارية اللجنة الفرعية الأوزبكية – الأوروبية للاقتصاد والتجارة والاستثمار. في عام 2024، بلغ حجم التبادل التجاري بين أوزبكستان ودول الاتحاد الأوروبي 6.4 مليارات دولار، ومن يناير إلى أغسطس 2025 تجاوز هذا الرقم 4.5 مليارات دولار، بينما بلغ حجم المشاريع المشتركة مع الشركات الأوروبية 30 مليار يورو.
تشمل الشركاء الاستراتيجيون لأوزبكستان شركاتٌ عالمية مثل سيمنز، مجموعة لينده، كلااس، إيرباص، باسف، EDF، ألستوم، توتال، أورانو، ومجموعة OTP. ويوجد في أوزبكستان 1069 مؤسسة تعمل باستثمارات من دول الاتحاد الأوروبي، منها 304 شركات برأسمال أوروبي خالص.
يدعم الاتحاد الأوروبي بثبات مسار أوزبكستان نحو التحول الديمقراطي، والإصلاحات السوقية، وعلاقات حسن الجوار في المنطقة.
وتشارك بروكسل بفاعلية في مشاريع تطوير الطاقة، والبنية التحتية للنقل، وموارد المياه، والرقمنة، والتعليم في آسيا الوسطى، معتبرة أوزبكستان أحد أهم شركائها الإقليميين. كما يشهد التعاون الثقافي والإنساني بين الجانبين نموًا متزايدًا في ديناميكيته؛ حيث تشارك أوزبكستان بنشاط في برنامج الاتحاد الأوروبي للتعليم Erasmus+ (2021–2027) وبرنامج Horizon Europe (2021–2027) للبحوث.
ويُعدّ توقيع اتفاقية الشراكة والتعاون المعززة الجديدة مع الاتحاد الأوروبي امتدادًا منطقيًا للسياسة الخارجية الأوزبكية الهادفة إلى تعزيز التفاهم المتبادل، والانفتاح، والثقة مع أوروبا. وتشمل الاتفاقية مجالات واسعة تمتد من التجارة والاستثمار إلى العلوم والتكنولوجيا والثقافة وحماية البيئة. وستكون هذه الاتفاقية أداة لتعميق الروابط الاقتصادية، وتوسيع الحوار السياسي، وضمان التنمية المستدامة، ومواجهة التحديات العالمية المشتركة. كما تمثل اعترافًا بأوزبكستان كشريك موثوق يتبع سياسة متوقعة، براغماتية، وسلمية.
وخلال الزيارة، التقى رئيس أوزبكستان الملك فيليب ملك البلجيكيين، حيث تُعدّ بلجيكا أحد الشركاء الأوروبيين المهمين لأوزبكستان. تتطور العلاقات بين أوزبكستان وبلجيكا على أساس الاحترام والثقة المتبادلين. وقد شهدت السنوات الأخيرة تكثيفًا في الحوار السياسي، ونموًا في الاتصالات الاقتصادية، وتوسعًا في التعاون الإنساني. وتحافظ الدولتان على تعاون بنّاء في مجالات مثل التجارة، والاستثمار، والابتكار، والطاقة الخضراء، والخدمات اللوجستية، والتعليم، والثقافة.
وتُقيّم بلجيكا بإيجابية نتائج الإصلاحات التي نُفّذت في أوزبكستان تحت قيادة الرئيس شوكت ميرضيائيف، والتي تهدف إلى تحرير الاقتصاد، وتعزيز سيادة القانون، وتطوير المجتمع المدني، وزيادة الشفافية وانفتاح الدولة، كما ترحب بروكسل بجهود طشقند في تحديث جميع مجالات الحياة، مؤكدة أن هذه الإصلاحات تسهم في التنمية المستدامة وتعزز الثقة الدولية في أوزبكستان.
وبذلك، فإن الزيارة الرسمية لرئيس أوزبكستان إلى بروكسل وتوقيع الاتفاقية الشاملة الجديدة مع الاتحاد الأوروبي تعد حدثًا بارزًا في تاريخ الدبلوماسية الأوزبكية. فهذه الخطوة لن تعزز فقط موقع أوزبكستان على المسار الأوروبي، بل ستشكّل دفعة قوية لتطوير التعاون، وتوسيع التجارة، وجذب الاستثمارات، وتبادل التكنولوجيا والابتكارات والأفكار. وستكون بروكسل، عاصمة بلجيكا وأوروبا ومركز الدبلوماسية الأوروبية والدولية، المنصة التي يتجسد فيها تنامي ثقة أوروبا في أوزبكستان، والاعتراف بدورها المهم في ضمان الاستقرار والتنمية المستدامة والتفاهم المتبادل في أوراسيا.
 
				 
					













