أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

عن جولات الحوار السعودي الإيراني في بغداد .. علينا أن نضع أحرفاً من نور..

وافـي الـجـرادي

صحفي ومحلل استراتيجي يمني

 

عن جولات الحوار السعودي الإيراني في بغداد .. علينا أن نضع أحرفاً من نور..

 

إنّ جولات المفاوضات الخمس التي أجريت في العاصمة العراقية بغداد بين الرياض وطهران لأمر في غاية الأهمية، ويجب أن يحظى باهتمام ومتابعة كل الساسة والباحثين في عالمنا العربي والاسلامي، كما ويجب أن يحظى بزخم إعلامي واسع من كل الأطياف والمكونات العربية والإسلامية؛ إنطلاقاً من أهمية الدور البارز والرئيس للسعودية وإيران في أزمات ومحن المنطقة، وما يسودها من صراعات وخلافات تموّل وتدار منهما كأكبر قوتين في الشرق الأوسط..

من المهم جداً أن نتحدث عن ضرورة التوصل الى اتفاق سلام بين الرياض وطهران، من شأنه أن يعود بالعلاقات الدبلوماسية إلى ماكانت علية قبل عام 2016 ، وأن يتفهم طرفا الصراع الإقليمي في المنطقة أهمية تغليب لغة السلام على لغة العنف وتأجيج الصراعات والمحن هنا وهناك…

إنّ الصراع السعودي الإيراني ترك مآسي وأحزاناً عدة ولازال في بلادنا اليمن ، وكذلك في سوريا والعراق ولبنان، وأي توجهات لإنهاء زمن القطيعة والشقاق بينهما سينعكس إيجاياً على تهدئة الازمات والحروب في المنطقة، ويساهم في لملمة جراحاتها وأنينها الدامي ،لقد راح ضحيتها مئات الألاف من البشر، الى جانب تدمير هائل للبنى التحتية ، وتفكك للنسيج الاجتماعي، وتضخم الطائفية والمذهبية، ودفعت كل دولنا ثمناً باهضاً من المعاناة والحزن والتشرد وحتى اللحظة…؛ لم نكن بحاجة الى كل هذا الدمار والمعاناة والتفرقة وزراعه الكراهية والاحقاد فيما بيننا بقدرما كنا بحاجة الى أن نعيش أمة واحدة كالبنان، لهذا ونتيجة للكلفة الإنسانية والمادية والمالية الباهضة واستمرار فتيل العنصرية والطائفية فإنه يتحتم على شعوب المنطقة التعاون لردم فجوة الخلافات السعودية الإيرانية، نظراً لما تقوم به كل منهما من دور سياسي بارز ومؤثر، وما تمتلكة من عوامل نفوذ وقوة على ما يجري من أحداث في بلدان المنطقة؛ فهما القادران وبقوة على إسكات لهب نيران الحروب والتفرقة والشتات، والمساعدة في وقف كل أعمال العنف والاضطهاد.

إن دولاً غربيةً بمن فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تعمل وبكل الوسائل والإمكانات إلى جانب الكيان الصهيوني على دعم وتغذية الصراع السني الشيعي، ويعملون ليل نهار على تقوية شتات وتشرذم امتنا العربية والاسلامية، كما وأن هذه الدول تقف وراء خلاف السعوديين والايرانيين و حفاظاً على مصالحها ونفوذها وأن تبقى المهيمنة والمتفردة بالمنطقة؛
فهل ما يفرقنا نحن العرب والإيرانيين ويمنع من اي تواصل بيننا أو تفاهم، أكثر من أن تجمعنا قواسم مشتركة ؟.

ليس لدى العرب خلاف مع الفرس كما تصوّره وتروّجه ابواق النفاق والتآمر على وحدتنا وامتنا الاسلامية سنةً وشيعة، فلقد اكتسب العرب من حضارة فارس الكثير من علوم الهندسة والرياضيات والأدب والفقة والشعر فابن سيناء وسيبويه أمثال هؤلاء الفرس والعرب تمزخرت أدوارهم واهتماماتهم لدينا نحن العرب كما تمزخروا في بلاد فارس، أي ان كل منا تأثر وأثر ب الآخر، كل منا خدم وعان الآخر.

إن علينا ككتاب وباحثين وساسة ومفكرين أن نعلم بأن من القوى الأجنبية وعلى رأسها امريكا وإسرائيل لا يروق لها أن نعيش معاً ومتعاونين ومتماسكين لكونهم يدركون يقيناً بأن لا موطئ قدم لتواجدهم في خاصرة أوطاننا دونما إحداث تفرقة وشتات فيما بيننا، علينا أن ندرك جيداً بأن لا سبيل للحفاظ على أمننا دون وحدة ولملمة لصفوفنا ومواقفنا، وتوجهاتنا حاضراً ومستقبلاً.

إن شعوبنا عانت ولازالت تعاني من الهيمنة والاستغلال، لازلنا نعاني ويلات الصراعات والحروب والتهجير، نسيجنا الاجتماعي مضروب في الصميم، لم يسبق أن اصبحنا ننهش لحم ودم بعض كما هو حالنا اليوم للأسف.

إن إسكات لغة الحروب والصراعات في منطقتنا يقع اليوم على عاتق السعودية وايران، هم بحاجة فقط الى إرادة فعلية وحقيقية لعمل ذلك ،حينها سيعم النور كافة أرجاء المعمورة، وإن فعلت هاتين الدولتين ذلك فهي تسطر تاريخاً مشرّفاً يليق بكل سني وشيعي على حدٍ سواء.

كما ويجب على مؤسسات الإعلام في كل من السعودية وإيران وفي كل المنطقة حاضراً أن تترك لغة ونهج العداء ضد بعضها، وألا تكون مجرد أبواق مأجورة آثمة للنيل من لحمتنا الإسلامية السمحاءِ، أن تجتمع على كلمة سواء ما يقرب من وجهات نظر ومواقف الأخوة السعوديين والإيرانيين، أن تترفع عن ثقافة المكايدات والدسائس، أن تكون خير مرشد وموجه لما يجمع الأمة ويوحد صفها ويرسخ من معالمها وحضارتها.

علينا ان نقرّ بأن النزاعات والصراعات والحروب في المنطقة جعلت من المملكة العربية السعودية تنفق قرابة ترليون ومائتي مليار دولار عسكرياً ، وإيران أنفقت ما يقارب من الـ 470 مليار دولار؟!! ألم تكن كل هذه الأموال كفيلة ببناء الأرض والإنسان ، وأن تحوّل من منطقتنا لأكبر منطقة اقتصادية واستثمارية في العالم ؟!!.

أليست الخلافات والصراعات البيّنيّة هي من جعلت النظامين السعودي والايراني أن يهدرا كل هذه الأموال في صفقات التسليح وازهاق الارواح والضرب في خاصرة الأمة العربية والاسلامية ؟!!.
ألم تعزز صراعاتنا من حضور الكيان الصهيوني وتسويقه بأنه حامي حمى العرب من ايران وبطريقة سخيفة لا يعقلها عاقل ولا يقبلها مسلم ؟.

إنّ الوصول الى تفاهم بين النظامين السعودي والإيراني سيعزز من العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية بين طهران والرياض وحلفائهما، كفيل أن يحافظ على التعايش المشترك السليم، بدلاً من أن تتعايش دول عديدة في المنطقة مع القطع العسكرية الأجنبية التي تجوب مياه الخليج شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، وانتشار القواعد العسكرية على طول شواطئه، حيث تجتاح أجواءه المقاتلات ليلاً نهاراً، مع كلّ ما يحمله هذا الواقع من أثر سلبي، ومن انتقاص لسيادة دول المنطقة وقرارها الحرّ المستقل.

إنّ ما يسود العالم اليوم من تحديات ومخاطر يستدعي التنسيق والتعاون الجماعي في المنطقة، يكون محوره الرياض وطهران، يستطيع إيجاد شراكة إقليمية فاعلة تصبّ في صالح الجميع، تراعي استقلال دولها، وسيادتها الوطنية، وتعزز الاستقرار والأمن، وتفسح المجال أمام شعوبها لتحقيق التنمية المستدامة، واستعادة الثقة بين الأطراف من جديد، حيث دول المنطقة بأمسّ الحاجة اليها اليوم، لتكون الركيزة الرئيسة لتفاهم وتعاون حقيقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى