بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الرعاية المنزلية الآمنة للمُسن .. (واقعة مؤثرة حدثت في إحدى دور المُسنين)..

الكاتب/ أ. عـصـام بن محمـود الرئيسي

مدرب ومحاضر في البروتوكول والإتيكيت الوظيفي

 

الرعاية المنزلية الآمنة للمُسن .. (واقعة مؤثرة حدثت في إحدى دور المُسنين)..

 

في أحد دور المسنين بإحدى الدول، وعقب وفاة الأب، أدخل الابن والدته تلك الدار، على الرغم من قدرته على رعايتها ولكن السبب يعود الى ضغوط من زوجته الرافضة لخدمة والدته حسب ما تذكره القصّة، كان الابن يزور والدته كل فترة، ولكن في إحدى المرات، تلقى مكالمة هاتفية من دار المسنين، تُعلمه أن والدته تحتضر، فذهب مسرعًا ليراها قبل أن تغادر الحياة، وعندما رآها قال لها : “قولي لي ماذا تريدين يا أمي لأحققه لك”، فأجابته: “أريدك أن تضع مراوح هوائية داخل دار المسنين، لأنهم يعانون من عدم وجودها، وأن تضع ثلاجات لحفظ الطعام، فكم من ليالٍ نمتُ فيها دون طعام” باستغراب يقول الابن : “ولكنك لم تشتكِ من قبل يا أمي، أتطلبين ذلك وأنت تحتضرين” !، قالت الأم وهي حزينة بدأ ذلك من خلال  صوتها : “نعم يا بني لم أشتك لأنني تأقلمت على شدة الحرارة والجوع ، ولكن خشيت عليك ألا تتأقلم عليها، عندما يأتي بك أبناؤك إلى هنا حين تبلغ من العمر أرذله”… (نهاية القصة).

قصة مؤثرة، ومعبرة، وتبدو مثل هذه المواقف وغيرها من إهمال الأبناء للوالدين مؤلمة للغاية، وخاصة عند الكِبر في السن حين تكون حاجتهم إلينا أكثر من أي وقت مضى، وقد يدور الزمان ويعاملك أبنائك كما عاملت والديك كما تشير اليه القصة، وكما يقال الجزاء من جنس العمل .. لهذا قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴾.

تحتفل السلطنة الشهر القادم بيوم المسن مع مثيلاتها من دول العالم، حيث خصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوماً عالمياً للمسنّين ومناسبة يتم إحياؤها في الأول من أكتوبر من كل عام ، وذلك لرفع نسبة الوعي بالمشاكل التي تواجه كبار السن في العالم ، ولفت الانتباه إلى هذه الفئة العمرية التي ساهمت في تنمية المجتمعات وقدرتها على مواصلة المساهمة ، وهو أيضاً يوم للاحتفال بما أنجزه كبار السن للمجتمع والذين تم تصنيفهم بمن هم فوق سن الـ 60 عاماً.

لقد حرصت السلطنة على رعاية المسنين ، والاهتمام بهم، ممثلة بوزارة التنمية الاجتماعية ، وحظيت قضاياهم ومشكلاتهم واحتياجاتهم  باهتمام بالغ ، وذلك تقديراً منها لهذه الفئة التي أفنت حياتها بالعطاء والتضحية ، وقدمت مختلف التسهيلات ووفرت الإمكانيات اللازمة لهم ، بشكل يضمن تمتعهم بحقوقهم كافة لتوفير الحياة الكريمة لهم ، ووضعت أولوياتها كثيراً بنشر الوعي في المجتمع لترسيخ مفهوم الرعاية المنزلية وأهميتها للمسن والأسرة ، بعيداً عن فكرة رعاية المسن من خلال دار المسنين إلا في أضيق الحدود ، ووفقاً لشروط معينة ، للحفاظ على أواصر العلاقات الأسرية ، وتماشيا مع عاداتنا وقيمنا العمانية الأصيلة وتعاليم ديننا الحنيف.

إن الاهتمام ورعاية المسن في المنزل من الأمور المهمة وهو المكان الأنسب نفسياً واجتماعياً وصحياً إذ يساعد على بث شعور الطمأنينة وراحة البال ، والحفاظ على قوة التلاحم العائلي ، ووجود أحد من كبار السن في المنزل يولد البركة والخير العميم لجميع أفراد الأسرة بدون استثناء ، ولهذا أيضا أطلق برنامج الأسرة البديلة ليكون تعزيزاً على أهمية رعاية المسن من خلال الأسرة.

الرعاية المنزلية للمسنين :

إن طبيعة التعامل ورعاية كبار السن تتطلب مراعاة خاصة لهم، لهذا وجب على جميع أفراد الأسرة التهيؤ لهذا الوضع وعلى الكل أن يساهم في تقديم الرعاية لهذا المسن بدون استثناء، إن الأسرة تبقى المكان المثالي الذي يمكن لكبار السن العيش فيه .. وفي النقاط التالية سوف نستعرض بعض الإرشادات والإجراءات التي يمكن أن نستعين بها لرعاية كبار السن في المنزل :

  • بداية لابد أن نعلم بأن كبار السن في فترة شبابهم كانوا يديرون أحوالهم بأنفسهم ، ووفق توجهاتهم الأبوية وما يتناسب مصلحة العائلة ، وأثناء فقدانهم لهذا الدور سوف يشعرهم بالضعف النفسي والمعنوي ، وهذا ما سيغضبهم نتيجة لفقدانهم سيطرتهم على الأجواء المحيطة بهم ، ومن هنا تجنب غضبهم وحاول أن تكون مستوعباً لهم ، مُتحلياً بالصبر، والمرونة أثناء التعامل معهم.
  • لا تجعل من وجود أحد كبار السن في الأسرة هماً ومشكلة ، بل حبّب أفراد الأسرة لهذا الإنسان الرائع في المنزل الذي يمثل وجوده الخير والبركة ، وشجعوا أيضاً أحفاده في رعايته والاهتمام به وتوقيره.
  • شارك كبار السن في الرأي وخاصة المواضيع التي يمكن أن يدركوها وهذا الأمر يشعرهم بمكانتهم بين أفراد الأسرة ويعزز نفسياتهم إيجابياً.
  • تتغير نفسيات كبار السن عندما يتقدمون في العمر ويصبحون محبّين للحياة أكثر من أي وقت مضى ، وتصبح أحاسيسهم ومشاعرهم مرهفة ، ومتقلبة ومتناقضة بعض الشيء لهذا لابد من مراعاة هذا الجانب عند التعامل معهم.
  • يجب تهيئة ممرات المنزل والأماكن التي يرتادها المسن بطريقة آمنة خشية عليه من السقوط في حفرها.
  • الاهتمام بالرعاية الصحية ، والنفسية لكبار السن من الجوانب المهمة ، وخاصة في مواعيد أخذ أدويتهم ووجباتهم الصحية.
  • يجب أن تتوزع الأدوار بين أفراد الأسرة لرعاية المسن لتخفيف الأعباء ، وضرورة التواصل مع المعنيّين حول رعاية المسنّين في أقرب فرع ، لأخذ منهم النصيحة والدعم.
  • المحافظة على العلاقات الأسرية والزيارات لكبار السن وتجنبيهم البقاء في المنزل فترات طويلة ، (بمعنى أن نأخذهم الى المتنزهات مع زيارة بعض الأماكن التي تعودوا أن يروها) ، وقربوا الأطفال من المسنين فإنها تحسن نفسياتهم كثيراً.
  • لا تغيّر وضع المنزل من قطع الأثاث أو زيادة في البناء الا بعد الرجوع إليه واستشارته وخاصة إذا كان بكامل قوته وذاكرته وحيويته.
  • أبق على متعلقاته الشخصية والمحببة في نفسه والتي تشكل اعتزازاً له ، أبقها بالقرب منه دائماً ويمكن أخذها معه عند انتقاله الى بيت أحد أبنائه إذا رغب في ذلك.

وعلى الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي …

‫11 تعليقات

  1. مقال جميل وواقع مؤلم !!.
    الرعاية المنزلية لكبار السن يجب ان يتعلمها الابناء وهي الزاما لأن الله حث عليه وأمرنا الاهتمام بالوالدين…

    وهنا اود ان انوه يعتقد بعض أفراد المجتمع بأن تقدم السن عند البعض يعني التقليل من قيمتهم ومكانتهم ودورهم في المجتمع في حين أن دور المسن في المجتمع وإن تقدم به العمر يتنوع فهو يمكن أن يساهم في مجال العمل التطوعي كما يساهم في نقل الخبرات والمعرفة للأجيال اللاحقة كما يقدم الاستشارات والنصائح والحلول من خلال الخبرة التي اكتسبها طوال حياته، كما أنه قد يتفوق على غيره في كثير من مقاييس الأداء الوظيفي فهو أكثر وعياً وأقل تغيباً ولديه مهارات اجتماعية مختلفة وأكثر استقرارًا من غيره فلا يرغب في التغيير بعد وصوله إلى سن متقدمة.

  2. في الواقع اخونا العزيز والملهم والاستاذ الكبير عصام الرئيسي في كل اطروحاته يتقدم الاخرين خطوة وفي هذا الموضوع قدم اشارة الى كبر حجم المحبة والمودة التي تكنه امهاتنا رغم قسوة الوضع التي هي به فلم تفكر في نفسها وانما فكرت بما سيؤول له حال ابنها فكما تدين تدان .

    شكرا اخي عصام على هذا الابداع

    1. مرورك للمقال أسعدني للغاية أخي العزيز أحمد .. ومداخلتك أضافة للمقال فكبر وحجم المحبة والمودة التي تكنه لامهاتنا رغم قسوة الوضع ليس له مقياس

  3. كما تدين تدان… أزرع خيرا تجده عند الحاجة… البركة في كبار السن والاطفال ولذا ترى الدول التي بها خير تجدها تهتم بالكل وخاصة هذه الفئتين وهذا ما محتاج إلى تفكير لأن هذا عملك الطيب أعاده الله تعالى عليك… ما أحوجنا إلى مثل هذه المواضيع في هذا الوقت بالذات الذي قل فيه التقدير والاحترام للمسنيين ما يشارط أن يكون أحد والديك لتقدره وإنما أي إنسان وخاصة من وصل منهم في العمر عتيا فرض على الكل تطبيق ما ذكرت أستاذ عصام من تصرفات راقية كرقي مقالك الرائع.

    1. شكرا لك أخي أخي العزيز محمد .. مداخلة جميلة نعم آباؤنا المسنون هم مرآة لنا في المستقبل، وسنمر بما يمرون به في هذه المرحلة من العمر، لذلك يتوجب علينا أن نسعى بكل ما نملك من رضا لرعايتهم والعناية بهم. دمت بود

  4. الكلام هذا رائع ولكن هناك أخلاق لابد أن تزرع في الإنسان ومن صغره ويتم إعداده لهاذا اليوم عندنا انفصام حقيقي بين الأخلاق الذي أراده الله لنا لنكون مجتمعات سعيدة في كل النواحي بين التطبيق في المناهج الدراسية وفي القوانين وفي العقوبات التي تحفظ للإنسان كرامته وهوه صغير حتى يهرم كذلك المجتمع بداء ينفصل بعضه عن بعض وبداء نتبع المثل العماني من سلمت نافتي ما على من رفاقي إذا بداءت تتنزع الرحمة من قلوبنا بداء حب النفس يتغلغل البعد عن رب العالمين زاد كل هذه العوامل زادت من الجفاء والعقوق لذلك على المجتمع أن ينتبه إلى ذلك حتى من الناحية الاقتصادية عقوق الوالدين سيكلف الدولة كثير من المبالغ في المجتمعات الغربية تصل ال ١٢٠ مليار إذا تكفل الولد بابيه استفادت الدولة من هذه المبالغ في اشياء اخرى أذن دراسة هذه الظاهرة جديره بالإهتمام وعلى الجمعية الاهتمام بها قبل لا نلحق الركب
    شكرا جزيلا اخواني الأعزاء

  5. الكلام هذا رائع ولكن هناك أخلاق لابد أن تزرع في الإنسان ومن صغره ويتم إعداده لهاذا اليوم عندنا انفصام حقيقي بين الأخلاق الذي أراده الله لنا لنكون مجتمعات سعيدة في كل النواحي بين التطبيق في المناهج الدراسية وفي القوانين وفي العقوبات التي تحفظ للإنسان كرامته وهوه صغير حتى يهرم كذلك المجتمع بداء ينفصل بعضه عن بعض وبداء نتبع المثل العماني من سلمت نافتي ما على من رفاقي إذا بداءت تتنزع الرحمة من قلوبنا بداء حب النفس يتغلغل البعد عن رب العالمين زاد كل هذه العوامل زادت من الجفاء والعقوق لذلك على المجتمع أن ينتبه إلى ذلك حتى من الناحية الاقتصادية عقوق الوالدين سيكلف الدولة كثير من المبالغ في المجتمعات الغربية تصل ال ١٢٠ مليار إذا تكفل الولد بابيه استفادت الدولة من هذه المبالغ في اشياء اخرى أذن دراسة هذه الظاهرة جديره بالإهتمام وعلى الجمعية الاهتمام بها قبل لا نلحق الركب
    شكرا جزيلا اخواني الأعزاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى