بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

أين المجتمع من ملخص المجتمع ؟!

خالـصـة الصـلـتـيـة

 

طالعتنا أجهزة الرقابة بتقرير «ملخص المجتمع 2024»، التقرير الذي امتلأ بالأرقام والملاحظات والتفاصيل الدقيقة عن أداء الوزارات والهيئات والشركات الحكومية.
تقرير ثري بالبيانات، لكنه فقير في زاوية أساسية هي روح المجتمع ذاته.

قرأت الصفحات بحثا عن أثر للجمعيات الأهلية والخيرية أو أي من مؤسسات المجتمع المدني، فلم أجد سطرا واحدا يخصها. وكأن المجتمع الذي يحمل التقرير اسمه غائب عن محتواه، وكأن الشفافية توقفت عند حدود المكاتب الحكومية ولم تعبر إلى فضاء المجتمع العام.

الشفافية ليست وسيلة إعلامية للزينة، بل هي حجر الأساس الذي تقوم عليه الثقة العامة. فالمجتمع الذي لا يعرف أين تصرف أمواله، ولا كيف تدار مؤسساته، سيبقى غارقا في الظنون مهما رفعت الشعارات عن النزاهة والحوكمة والمساءلة.

في الدول التي جعلت من الشفافية قيمة وطنية، أصبحت الرقابة شاملة لا تستثني أحدا.
في المملكة المتحدة مثلا، تلزم الجمعيات الخيرية بنشر تقاريرها المالية والإدارية على سجل عام مفتوح لكل مواطن. وفي الولايات المتحدة، تنشر تقارير المنظمات غير الربحية (نموذج 990) بكل تفاصيل الإيرادات والمصروفات والرواتب.
أما نيوزيلندا، فتشترط تقديم العائد المالي والإداري لكل جمعية خلال ستة أشهر من نهاية سنتها المالية، وإلا تلغى من السجل الرسمي.
هذه ليست إجراءات محاسبية فحسب، بل ثقافة تحترم وعي الناس، وتؤمن أن العمل العام لا يدار في الظل.

وفي سلطنة عمان، لدينا نماذج مشرفة تثبت أن الشفافية ممكنة ومطلوبة.
جمعية البيئة العمانية تنشر تقاريرها السنوية المالية والإدارية على موقعها الإلكتروني بانتظام.
جمعية التدخل المبكر للأطفال ذوي الإعاقة تتيح تقاريرها منذ عام 2018 بشفافية تستحق الثناء.
مؤسسة أوتورد باوند عمان تنشر تقاريرها السنوية عن البرامج وعدد المستفيدين وأثرها التنموي بكل وضوح.
وحتى هيئة البيئة الحكومية تتبنى نهج النشر الدوري لتقاريرها، لتكون قدوة في الإفصاح والوضوح.

لكن هذه النماذج تبقى محدودة في بحر كبير من الغياب. فالكثير من الجمعيات الأهلية لا تزال تمارس عملها خلف الأبواب المغلقة، دون نشر بيانات مالية أو تقارير أداء أو مؤشرات واضحة.
والنتيجة أن الثقة المجتمعية تضعف، وتختلط الجهود الجادة بغير الجادة، لأن الضوء لم يسلط بعد على الجميع بالقدر نفسه.

ومن هنا؛ يمكن أن يتسع التقرير مستقبلا ليشمل الجانب المجتمعي كاقتراح لتخطي هذا الخلل؛ من خلال توضيح المشكلات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني بشكل نوعي لا رقمي، واستعراض قصص نجاح وإخفاق واقعية تساعد على بناء سياسات تصحيحية، بدلا من اختصارها في جداول أو نسب مئوية.
فالأرقام وحدها لا تعكس نبض المجتمع، ولا تُصلح الخلل دون تحليل معمق لأسبابه وسياقه.

الشفافية ليست عبئا على المؤسسات، بل درع يحميها من الشك، ويمنحها قوة أمام المجتمع والداعمين والمستفيدين.
ومن حق كل مواطن أن يعرف كيف تدار الجمعيات التي تحمل اسمه، وتعمل لأجله، وتستفيد من الدعم الذي يقدم باسم الصالح العام.

لذلك .. يبقى السؤال قائماً :
إذا كان التقرير عنوانه “ملخص المجتمع”، فأين المجتمع من هذا الملخص؟!.
وأين أصوات الجمعيات التي تمثل الناس من معادلة الرقابة والمساءلة؟!.

إن رقابة الدولة لا تكتمل إلا برقابة المجتمع على نفسه،
والشفافية التي تبدأ من المؤسسات يجب أن تمتد إلى كل كيان يحمل صفة المنفعة العامة.

وحين يحدث ذلك؛ لن يكون السؤال : “أين المجتمع من ملخص المجتمع؟”،
بل سنقول بثقة : ها هو المجتمع حاضر في تفاصيله، كما ينبغي أن يكون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى