
الاتجاه البلجيكي لجمهورية أوزبكستان
عـابـد حكـيـمـوف
مدير مركز البحوث والإصلاحات الاقتصادية في جمهورية أوزبكستان
في أكتوبر ستكون زيارة رسمية لرئيس جمهورية أوزبكستان فخامة شوكت ميرضيائيف إلى مملكة بلجيكا، وخلالها من المتوقع اتخاذ قرارات هامة تُحَدِّدُ مستوىً نوعياً جديداً من العلاقات بين أوزبكستان والاتحاد الأوروبي (European Union)، وعلى وجه الخصوص سيتم توقيع اتفاقية الشراكة والتعاون الموسّعة.
في السنوات الأخيرة، تبني أوزبكستان ديناميكياً تكويناً جديداً من العلاقات مع أوروبا باعتبارها عنصراً مهماً للاستدامة في ظل الظروف المعاصرة من التوتر الجيوسياسي وعدم الاستقرار الاقتصادي.
رويداً رويداً تتوسع الروابط بين أوزبكستان والدول الأوروبية، وتتنوّع مجالات التعاون، ويُسهم في ذلك الإصلاحات التي تُنفّذ داخل البلاد.
تشكيل تاريخٍ جديد للعلاقات..
بعد حصول أوزبكستان على استقلالها، تطورت علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي بشكل ملحوظ. ففي عام 1992 تم توقيع مذكّرة تفاهم بين حكومة أوزبكستان وEuropean Commissio، وفي عام 1994 تمّ إرساء العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي، وأُسس التعاون على “اتفاقية الشراكة والتعاون” المُوقّعة في يونيو 1996، والتي دخلت حيز التنفيذ في 1999.
مع ذلك، خلال فترة معيّنة واجهت العلاقة مع الدول الأوروبية صعوبات لما كان يُعتبر انخفاضاً في مستوى الإصلاحات الديمقراطية في أوزبكستان.
ومع انتخاب شوكت ميرضيائيف رئيساً لأوزبكستان تغيّرت الأمور جذرياً.
ففي عام 2017، خلال زيارتِه طشقند، صرّح المدير العام للتنمية الدولية والتعاون في المفوّضية الأوروبية Stefano Manservisi بأن «الاتحاد الأوروبي يرى في أوزبكستان شريكاً استراتيجياً».
بدأت في البلاد إصلاحات ديمقراطية واقتصادية واسعة النطاق، ما مكّن خلال فترة قصيرة من معالجة الكثير من المشكلات التي كانت دون حلّ سابقاً. وتمّ القضاء تماماً على العمل القسري، وساعدت الإصلاحات في قطاع القطن على وقف تصدير القطن كلياً.
مع تقدّم الإصلاحات في أوزبكستان، توسّع الإطار القانوني والتنظيمي بسرعة أيضاً في العلاقات مع الدول الأوروبية. إذا كان في السابق يمنح كل من أوزبكستان والاتحاد الأوروبي بعضهما البعض وضع «أكبر ميّزة مفضّلة» بموجب الاتفاقية، فإنّ الاتحاد الأوروبي منح أوزبكستان في أبريل 2021 وضع مستفيد من «نظام التفضيلات المعمّمة GSP+»، وفي عام 2022 تمّ التمهيد لـ«اتفاقية الشراكة والتعاون الموسّعة».
بداية الإصلاحات في أوزبكستان غيّرت ليس فقط السياسة الداخلية، بل أيضاً هندسة العلاقات الدولية.
وبرز على السطح تفاعلٌ أوثق مع جيرانها في المنطقة – دول آسيا الوسطى -، كما تمّ تحديد التعاون الفاعل مع دول أوروبا كأحد أهمّ الاتجاهات، وهذا الاتجاه توسّع بلا هوادة في السنوات الأخيرة.
فقط خلال هذا العام، تمّ خلال الزيارات الملائمة إرساء علاقات شراكة استراتيجية مع فرنسا وإيطاليا وسلوفاكيا، ومع المجر نوقشت بالفعل قضايا توسيع الشراكة الاستراتيجية.
وعلاوة على ذلك، زار رئيس أوزبكستان سلوفينيا، وزار رئيس الوزراء الإيطالي ورئيس بلغاريا أوزبكستان.
الحدث المحوري في تعزيز علاقات أوزبكستان مع أوروبا، وكذلك أوروبا مع آسيا الوسطى بوجه عام، كان القمة الأولى بين الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى، التي عقدت في أوائل أبريل من هذا العام في سمرقند برئاسة شوكت ميرضيائيف ، حيث قدّمت أوزبكستان جملة من المبادرات لتشكيل نموذج جديد للتعاون الإقليمي بين آسيا الوسطى وأوروبا.
من بينها : توقيع اتفاقية متعددة الأطراف لحماية وتشجيع الاستثمارات؛ إطلاق غرفة تجارة مشتركة «آسيا الوسطىالاتحاد الأوروبي»؛ اعتماد برنامج إقليمي مشترك لدعم مشاريع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وريادة النساء؛ إطلاق منصة استثمارية لدفع المشاريع الإقليمية في مجالات الطاقة «الخضراء» والابتكار والنقل والبنية التحتية والقطاع الزراعي.
وقد جرت القمة في سمرقند بنجاح كبير. وتمّ اعتماد إعلان مشترك ينصّ على إرساء شراكة استراتيجية بين المنطقتين في مجالات التجارة والنقل والطاقة والاتّصال الرقمي وإدارة الموارد المائية. وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية Ursula von der Leyen أن الاتحاد الأوروبي أعدّ لدول آسيا الوسطى حزمة استثمارات بقيمة 12 مليار يورو في إطار برنامج «بوّابات عالمية».
مسار التعاون الاقتصادي..
إنّ التحولات الديمقراطية العميقة في أوزبكستان في السنوات الأخيرة أدّت إلى تحسين كبير في علاقات أوزبكستان مع الدول الأوروبية. من جهة أخرى، مكنت الإصلاحات الاقتصادية من رفع تنافسية الاقتصاد الأوزبكي، ما عزّز اهتمام المستثمرين والأعمال الأوروبية بتوسيع التعاون مع أوزبكستان.
المؤشرات الاقتصادية تبدو مبهرة؛ فخلال الثمانية أعوام الأخيرة نما الناتج المحلي الإجمالي لأوزبكستان إلى الضعف، ليبلغ في 2024 مئة وخمسة عشر مليار دولار. ومنذ عام 2017، بلغت الاستثمارات في رأس المال الرئيسي 240 مليار دولار، من ضمنها استثمارات أجنبية فاقت 130 مليار دولار.
ولأوّل مرّة في تاريخ أوزبكستان تجاوزت احتياطيات النقد الأجنبي 48 مليار دولار، ولكن النتيجة الأكثر بروزاً للإصلاحات الاقتصادية كانت التحوّل الهيكلي للاقتصاد : ففي الفترة 2017 – 2024 ارتفعت نسبة الصناعة من 20٪ إلى 26٪، والخدمات من 44٪ إلى 47٪، وخلال ذات الفترة ارتفعت إنتاجية العمل (الناتج المحلي الإجمالي للفرد المشتغل) بحوالي 45٪.
نتيجة للتغيّرات التي حصلت في أوزبكستان نشأت فرص أكثر للتعاون الذي يعود بالفائدة المتبادلة لكل من الأعمال الأوزبكية والأوروبية.
فخلال الفترة 2017 – 2024 نما حجم التجارة بين أوزبكستان ودول الاتحاد الأوروبي بمقدار 2.4 مرة إلى 6.4 مليار دولار، والتصدير نما بـ 3.6 مرة إلى 1.7 مليار، والاستيراد بـ 2.2 مرة إلى 4.7 مليار.
في عام 2024، بلغت حصة الاتحاد الأوروبي في التجارة الخارجية لأوزبكستان : في حجم التجارة 9.7٪، في التصدير 6.3٪، في الاستيراد 12٪، واحتل الاتحاد الأوروبي المرتبة الثالثة بين شركاء التجارة لأوزبكستان بعد الصين وروسيا.
وفي ذات الفترة، ارتفعت نسبة دول الاتحاد الأوروبي من إجمالي صادرات أوزبكستان من 3.8٪ إلى 6.3٪. ولعب انضمام أوزبكستان إلى مجموعة مستفيدي GSP+ دوراً هاماً، حيث حصلت المنتجات الأوزبكية على دخول معفى من الرسوم إلى سوق الاتحاد الأوروبي نحو 6200 خطّ تعريفي. نسبة الواردات من أوزبكستان التي تشملها تفضيلات GSP+ تبلغ 59٪، ومُعدّل استخدام التفضيلات وصل إلى 84٪، مما يُدلّ على درجة تطبيق عالية لشروط الميّزات.
بحسب نتائج عام 2024، كان الجزء الأكبر من صادرات أوزبكستان إلى دول الاتحاد الأوروبي من المواد الكيميائية (52.1٪)، بالإضافة إلى المنتجات النسيجية، والمنتجات من المعادن السوداء والملوّنة، والمنتجات المعدنية والغذائية، ومن بين شركاء التصدير من دول الاتحاد الأوروبي كانت فرنسا في المرتبة الأولى بنسبة 47.2٪، ثم ليتوانيا 10٪، ثم لاتفيا 6.9٪.
إذا تحدّثنا عن استيراد أوزبكستان من دول الاتحاد الأوروبي، فهو يفوق التصدير بكثير، ويرجع ذلك إلى حاجة الاقتصاد الأوزبكي للتحديث التكنولوجي. وتُمثّل دول الاتحاد الأوروبي حوالي 16٪ من إجمالي استيراد أوزبكستان من الآلات والمعدات ووسائل النقل.
كما يتطور التعاون الاستثماري بين أوزبكستان ودول الاتحاد الأوروبي بنشاط، إذ نما حجم الاستثمارات والاعتمادات الأجنبية (بما في ذلك مؤسسات مالية من دول الاتحاد الأوروبي).
في 2024 بنسبة 77٪ ليبلغ 4.1 مليار دولار (في 2023 كانت 2.3 مليار)، وكانت ألمانيا الأكثر نشاطاً استثمارياً بـ1.37 مليار دولار، وهولندا بـ1.05 مليار، قبرص بـ858.9 مليون، التشيك بـ137.8 مليون، إيطاليا بـ99.8 مليون، السويد بـ97.5 مليون.
حالياً في أوزبكستان تعمل نحو ألف شركة برأسمال من دول الاتحاد الأوروبي، ومجموع مشاريع الاستثمار يبلغ حوالي 30 مليار يورو.
من الجدير بالذكر الدور الكبير في العمليات الاستثمارية في السنوات الأخيرة لبنك الإعمار والتنمية الأوروبي European Bank for Reconstruction and Development، الذي باتت أوزبكستان أكبر مستفيد له حالياً.
فقد تجاوزت استثمارات البنك في اقتصاد أوزبكستان 5 مليار يورو، من بينها نحو مليار يورو في عام 2024، ويركّز البنك دعمه المالي على القطاع الخاص
وهكذا أصبحت الإصلاحات في أوزبكستان العامل الأساسي في توسيع وتنفيذ الإمكانات الكبيرة للتفاعل التجاريالاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي.
أوزبكستان ـ بلجيكا..
خلال الزيارة المرتقبة، يجدر التوقف عند تنمية العلاقات بين أوزبكستان وبلجيكا.
بعد افتتاح سفارة أوزبكستان في بروكسل عام 1993، أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وفي عام 1996 تم توقيع اتفاقية تجنّب الازدواج الضريبي، وفي عام 1998 — اتفاقية الحماية المتبادلة وتشجيع الاستثمارات.
وتوفّر هذه الاتفاقيات ضمانات قانونية للمستثمرين من كلا البلدين.
نشّطت العلاقات التجارية بين أوزبكستان وبلجيكا في ظل الإصلاحات النشطة
وقد وضعت زيارات 2019 و2022 جدولاً للأعمال في البنى الأساسية والطاقة والاقتصاد الرقم، والأهم من الأرقام الحالية، هو اعتراف الشركاء الأوروبيين ودعمهم للإصلاحات، ما يشكّل أساساً مستداماً للتفاعل طويل الأمد.
في عام 2024 بلغ حجم التجارة حوالي 62.3 مليون دولار، منها صادرات أوزبكستان 7.3 مليون واستيراد 55 مليون، وفي المقابل، يتزايد التعاون الاستثماري، حيث تعمل في البلاد عشرات من الشركات برأس مال بلجيكي، بما في ذلك شركات بمشاركة 100٪. يتم إطلاق تقنيات محلية، على سبيل المثال، تشارك شركة Jaga Climate Designers في إنشاء مشروع مشترك لنظم التدفئة والتهوية، وتعمل مجموعة Picanol على محلية تجميع ماكينات نسيج عالية التقنية.
وتبحث العلامتان التجاريتان Belcolade وPrefamac تنظيم إنتاج الشوكولاتة مع التوطين لاحقاً.
وفي الوقت نفسه، بالرغم من المستوى الاقتصادي المتواضع نسبياً للتفاعل، توجد فرص واسعة لتوسيع التعاون في عدة اتجاهات.
ونظراً لأن بلجيكا تحتل موقعاً قيادياً في أوروبا في إنتاج الأدوية والتقنيات البيولوجية الطبية، وكذلك السوق الأوزبكي للأدوية في نمو سريع، فيمكن إنشاء مشاريع مشتركة أو تجمعات إنتاج في قطاع الأدوية، يمكن أن تشارك فيها شركات بلجيكية مثل UCB ووحدات Janssen Pharmaceutica.
ومن المُمكن إنشاء مشاريع مشتركة لتصنيع المنتجات الزراعية من الفواكه والخضروات في أوزبكستان مع التوجّه نحو التصدير إلى الاتحاد الأوروبي عبر المراكز اللوجستية البلجيكية (ميناء أنتويرب، الأسواق الجملة). ومن الشركاء المحتملين شركات مثل Greenyard أو Puratos.
كما يمكن زيادة التوريدات المباشرة للفواكه الطازجة في نوافذ العجز الموسمي في بلجيكا، خصوصاً العنب في الخريف والشتاء، وأيضاً الخضروات المجفّفة، والتوابل، والمنتجات العضوية في قطاع السلع البيئية
بالنسبة للصناعة الخفيفة، من المناسب توسيع صادرات الملابس الجاهزة والنسيج المنزلي مع الالتزام بمتطلبات الجودة والسلامة الأوروبية.
ويؤكّد حجم استيراد الملابس إلى بلجيكا، الذي بلغ حوالي 7.9 مليار دولار في عام 2024.
العائق الرئيسي يتمثّل في اللوجستيات والمعايير. تعمل بلجيكا كمحور بحري للاتحاد الأوروبي متمركز في أنتويرب، في حين أن المسارات المباشرة من أوزبكستان محدودة. والأولوية في القريب هي تجارب أولية لسلاسل توريد بضمانات الجودة وقابلية التتبّع، وتطوير اللوجستيات الباردة، والشهادات وفق اللوائح التقنية والمعايير الصحية للاتحاد الأوروبي، واستخدام مراكز التجميع في بنيلوكس وأدوات التمويل التجاري للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
ومع إدخال روابط برّية جديدة عبر ممرّ الوسط، سيظهر إمكانية واضحة لتوسيع التصدير بقيمة مضافة أكبر دون زيادة التكاليف وأوقات التسليم.
الخـاتـمـة..
ينبغي القول إن أوزبكستان في هذه المرحلة من تطورها مهتمة بمزيد من تعميق التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي.
وفي سياق التحديث المستمر والتحوّل الرقمي للاقتصاد الأوزبكي، يمكن أن تلعب الاستثمارات الأوروبية والتقنيات، والخبرات الأوروبية في التعليم، وإعداد الكفاءات، والبحث العلمي دوراً كبيراً.
كذلك، تسعى أوزبكستان إلى زيادة صادراتها من الإنتاج الصناعي بقدر نمو مستوى خصائصه النوعية.
وفي الوقت نفسه، تمثّل أوزبكستان سوقاً سريع النمو بسكان شباب يتزايد عدّهم بسرعة؛ فقد بلغ عدد سكانها بالفعل 38 مليون نسمة، بزيادة 18٪ مقارنة بعام 2017.
سنوياً يدخل نحو 700 ألف شخص نشط اقتصادياً سوق العمل، وهم يشكّلون مورداً جدّياً للقوى العاملة في الاقتصاد، بما في ذلك لمشاريع الشراكة المشتركة.
ومع سياسة مكافحة الفقر المطبّقة، يرتفع مستوى معيشة السكان وتزداد الدخول.
فإذا كان ثُلث السكان يعيشون سابقاً تحت خط الفقر، فقد تم إخراج نحو 7.5 مليون شخص من الفقر خلال السنوات الأخيرة، وفي عام 2024 تراجع معدل الفقر إلى 8.9٪، ومن المتوقع أن يصل هذا المؤشر إلى 6٪ هذا العام.
والسياسة المتبعة لا تحلّ مشاكل اجتماعية وحسب، بل تؤدّي إلى زيادة دخول السكان والطلب الداخلي، مما يعزّز اهتمام الأعمال الأوروبية بدخول السوق الأوزبكي.
وبالتالي؛ فإن تعميق التعاون الاقتصادي بين أوزبكستان من جهة، والاتحاد الأوروبي وبلجيكا من جهة أخرى؛ هو عمليّة مفيدة للطرفين، وهذا ما يمكّن من نجاح الزيارة المرتقبة لرئيس أوزبكستان شوكت ميرضيائيف إلى بلجيكا.
ومن المقرّر أن الاتفاقات التي سيتم التوصل إليها تتيح دفع المشاريع المشتركة في مجالات الطاقة المستدامة والبنى التحتية، وتقوية الروابط النقلية والتكنولوجية بين آسيا الوسطى وأوروبا، كما يمكن لأوروبا أن تصبح أحد الاتجاهات الرئيسية للنمو الطويل الأمد وتحديث أوزبكستان.