بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

كيـف ولماذا الاهـتمام بالمـوهـوبيـن؟..

الدكـتورة/ سـلـوى سـلـيـمان

خبير تربوي – استشاري اكتشاف ورعاية الموهوبين – مدرب دولي تنمية بشرية

 

كيـف ولماذا الاهـتمام بالمـوهـوبيـن؟..

 

شهدت الآونة الحالية اهتمام واسع على كافة المستويات وفي كل المناحي يدعو إلى مزيد من الاهتمام بالموهوبين والمبدعين، ويركز على ضرورة الكشف عنهم وتشخيص الموهبة لديهم في سن مبكرة، كما ينشد ضرورة توفير المناهج والبرامج والانشطة التي تلبي احتياجاتهم، وتوفير المناخ والجهات المؤسسية القادرة على ادارة هذه الانشطة لتطويرها والحفاظ على استمراريتها.

وهكذا سعت الدول إلى إجراء الدراسات والبحوث الميدانية حول الموهوبين والمبدعين، وتطوير أساليب الكشف عنهم، وتصميم البرامج المناسبة لهم لرعايتهم وتوظيف طاقاتهم الابداعية في مجالات عدة، إيمانا منها بأن ما يقدم لهذه الفئة من رعاية وعناية يعتبر نوعا من الاستثمار يحصد المجتمع ثماره في المستقبل الآني والقريب والبعيد ويرتقي به، وترجع بداية الاهتمام بالبحث في مجال الموهوبين في العصر الحديث إلى الدراسة الرائدة التي أجراها “فرانسيس جالتون” في عام 1970م عن السمات العقلية للرجال العباقرة ومنهم العلماء ورجال السياسة والقادة العسكريين والشعراء والرسامين وأدباء القصة وغيرهم.

ومن ثم لماذا هذا الاهتمام كله بفئة الموهوبين والمبدعين؟
وما هي أهميتها ودورها في الحياة؟
في الحقيقة يمثل الأفراد الموهوبون والمبدعون سواء كانوا أطفالا أم كبارا، ثروة طبيعية وطنية في غاية الاهمية، حيث أنهم يمتلكون مواهب أو قدرات غير عادية ويؤدون بطريقة تتميز عن بقية أقرانهم في واحد أو أكثر من المجالات التي يقدرها المجتمع، خاصة في مجال التميز الفكري والتفكير الإبداعي والتحصيل التعليمي والامتياز، والمهارات والقدرات، ويحتاجون إلى رعاية خاصة لا تتوفر لهم بشكل كامل في البرامج الدراسية العادية.

ومع أن نسبتهم في المجتمع تقارب ٠.٠٢٪ في أغلب الأحوال؛ إلا أنهم يمثلون موردا بشريا هاما يفوق في قيمته أي من الموارد الأخرى، فالدول تعلو بموهوبيها ومبدعيها و تتقدم على غيرها من الدول بعقول علمائها ومخترعيها وتسود وترقى بعقول قادتها.

وعلى الدول التي تملك ثروات مادية أن تستخدم قدرا كبيرا من عائداتها لإحداث برامج للكشف عن الموهوبين والمتفوقين والمبدعين وتحديثها باستمرار، وإعداد طرق العناية بهم؛ فهناك دول مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، وأيضا البرازيل لا تملك ثروات، ومع ذلك فإنها تقف في مصاف الدول الصناعية المتقدمة التي تعتد بها، وذلك لما تقوم به من رعاية الموهوبين واستخدام القدرات الإبداعية لديهم بما يحقق أعظم الفوائد لمجتمعها.

لذا من واجب المجتمع أن يحافظ على هذه الثروة البشرية، ولا يبددها بالإهمال وانعدام الرعاية؛ بل إن المجتمع مطالب باستثمار مواهب وابداعات ابنائه حتى تسهم في تنمية وضمان أمنه واستقراره ومستقبله.

وقد اثبتت الدراسات النفسية أن حاجة هؤلاء إلى الرعاية والاهتمام لا تقل عن حاجة الأفراد ذوي الإعاقة فكلاهما ذوو قدرات واحتياجات خاصة، ويقارن أحد الباحثين بين الضرر الذي يترتب على إهمال المعاقين والموهوبين، فيقول : إن الضرر الذي سيلحق من إهمال الأطفال ذوي الإعاقة محدود يطال المعاق نفسه، وقد يمتد إلى أسرته، بينما يمتد الضرر من جراء إهمال الموهوبين والمبدعين إلى المجتمع بأسره، فيخسر المجتمع جهود مجموعة متميزة من ابنائه، وبالتالي يؤثر ذلك على تطوره ومسيرته المستقبلية، كما تعد فئة الموهوبين والمبدعين الأساس الذي تعتمد عليه التنمية المجتمعية.

التنمية في أي مجتمع تعتمد على العنصر البشري أكثر من اعتمادها على مصادر طبيعية أخرى؛ والتنمية مسؤولية أبناء المجتمع ذاته، وتشير نتائج البحث العلمي إلى أن التخلف الذي تعاني منه دول العالم الثالث والنامية ليس بسبب ندرة الموارد الطبيعية، بل بسبب إهمالها للموارد البشرية وعدم توظيفها التوظيف المناسب له.

وبالرغم من ظهور الاتجاهات الحديثة وتنوع الطرق والوسائل في الكشف عن الموهوبين إلا أنّ التعرف على حالات الأطفال الموهوبين ليس أمراً سهلاً وميسراً بالنسبة لعدد كبير من هؤلاء الأطفال؛ على أنّ هذه الطرق أو الوسائل يمكن أن ينظر إليها كمؤشرات عن إمكانية وجود الموهبة، وليست محكّا أو معياراً أكيداً لتحقيق الموهـبة وإثبات وجودها.

فالمحك الحقيقـي والمعيار الأكيد لتحقيق الموهبة هو الإنتـاج والأداء، ويذكر البعض في هذا الشأن أنّه “كلّما تمّ التعرف على الطفل الموهوب في وقت مبكر كلما تمكن الاختصاصيون، من إعداد وتوفير الخبرات التعليمية الملائمة لتحقيق أقصى قدر ممكن من النمو لهذا الطفل، ومن ثمّ يصبح التعرف المبكر هو مفتاح التوصل إلى اكتشاف المدى الواسع من الطاقات البشرية المتاحة في أي مجتمع من المجتمعات، ويحدد آخرون الوقت المناسب لاكتشاف الموهبة بمرحلة الروضة.

ومن هنا، يقول هونور دي بلزاك “لا توجد موهبة عظيمة بدون قوة إرادة عظيمة”، ويشير تشوجيهام ترونجيا إلى أنه “لا يوجد شيء مثل الموهبة فقط الوعي” لذا فإن الاهتمام بالموهوبين والمبدعين دليل على وعي الأمة وعنوان رقيها وتطورها، وبه يقاس مدى وعيها ونهوضها وتقدمها، لأنهم بلا جدال فئة ذات احتياجات خاصة تتطلب من كل المؤسسات المعنية ومقدمو الرعاية الدعم الكامل والمستمر مع مراعاة العوامل التي تساهم في تشكيل قدرات هذه الفئة لتنمية المواهب وتوفير الفرص الكثيرة للارتقاء والتميز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى