أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

إحذر أن يراك الآخر عارياً !!..

مـريـم الـشـكـيـلـيـة

 

إحذر أن يراك الآخر عارياً !!..

 

عندما نسمع كلمة عارياً يتبادر في الذهن العُرِيّ الجسدي، ولا عجب؛ فهذا ما اعتدنا عليه، ولم نسمع من قبل بعُرِيّ آخر .. نعم هناك عُرِيّ الأرواح، وعُرِيّ النفوس والجيوب، وعُرِيّ الحياة بشكل أشمل.

نحن اليوم أو البعض منا وما أكثرنا نمشي عُراة بين الناس في دائرة ضيقة وصغيرة في الزاوية اليسرى من هواتفنا تسمى (بالحالة)، وفي الحقيقة هي اسم على مسمى؛ حالة من حالنا أو مختصر الحالة الوقتية التي نحن عليها الآن .. مما يؤسف له هو أنه أصبحت هذه الدائرة الصغيرة هي عاكسة لحياتنا من خلالها نُعَرّي كل تفصيل في حياتنا، أصبح العالم يعرف ما نحن عليه لم يعد لدينا غموض يحتار البعض منه حتى أحيانا لا يحتاج الناس لسؤالنا عن أحوالنا؛ فقط يكفي أن يُلقوا نظرة خاطفة لخاصية الحالة لدينا لتدلهم علينا، لم نعد نحتفظ بخصوصيات حياتنا، والبعض أيضا حذف الخطوط الحمراء من حياته وأصبح يمشي عارياً بيننا يُعَرّي جيوبه من خلال ما يعرضه من تفاصيل الشراء والترف ومأكله وملبسه وبيته ورحلاته وغيرها، وكأنه يمشي ويقول : هذا هو مالي وجيبي، ولا أفهم ما هي الرسالة التي يريد إيصالها للآخر ؟!! أو ما هي الإستفادة التي سيجنيها من إستعراض جيبه ؟!!، في المقابل هناك آخر تجده يُعَرّي قلبه وخلجات نفسه، ومع الأسف هذا أكثر ما هو ملاحظ عند النساء، ولو أن الرجال ليسوا بمأمن من هذا، ولكن النساء أكثر بحكم طبيعتهن العاطفية؛ مما يلاحظ استعراض غير مسبوق لقلوبهن؛ أصبحت مشاعرهن لأقرب قريب لديهن معروض في (الحالة)، وكأنهن في سوق يعرض بضاعتهن !! لماذا يعلم الآخر عن مدى قربك من شريك حياتك أو علاقاتك مع صديقاتك ؟!! لماذا تستميل الآخر لمشاعرك، في المقابل هناك من تجدهن يضعن مشاعرهن السلبية أو خصوماتهن أو مشكلاتهن وكأنهن يستعطفن الآخر لحالهن أو يسددن الضربات للمعني في الأمر ؟!! لماذا نكشف عُرِيّ قلوبنا ومشاعرنا للغير ؟!! لماذا أصبحنا نجر تفاصيل سعادتنا وتعاستنا ونستعرضها أمام الجمع ؟!!

المؤسف والمضحك المبكي أن هناك من ضمن قوائم هواتفنا أرقام لا علاقة لهم بنا ولا بتفاصيلنا ربما تكون أرقام خدمة معينة كأرقام صالونات تجميل، أو أرقام طلبات التوصيل، أو أرقام محلات البيع وغيرها، وهناك أرقام في بعض الهواتف لزملاء العمل، والعمل في بعض الأحيان يكون مختلطاً بين الجنسين، وغيرهم كثيرون ممن لا علاقة لهم ولا تعنيهم حياتنا .. قد يقول قائل : هناك خاصية الحذف والخصوصية؛ نعم صحيح ولكن ليس الجميع يعلم بها أو يتقن العمل بها، ورغم هذا ما خرج من بيوتنا أو قلوبنا أو جيوبنا ووصل لبرامج هواتفنا، ولخاصية (الحالة) ولو لشخص أو شخصين يفقد خصوصيته؛ فما بالك بقائمة طويلة.

بسبب هذه الخاصية أصبحنا نتقن التناقضات، ونعيش التناقضات نُعَرّي حياتنا وبيوتنا وجيوبنا، والبعض يستعرض العكس؛ يظهر مباهج الحياة، وفي الحقيقة هو يعيش تعاسة الحياة، أو يظهر رصيد جيبه وفي الحقيقة هو يعيش على الديون، وفي كلا الحالتين الآخر لا يعنيه ضيق جيبك من فسحته، ولا تعنيه مباهجك أو تعاستك، ولا حتى أمور قلبك ومشاعرك؛ الناس أصبحت متفرجة عليك فقط، وكأنك على خشبة مسرح تنظر إليك، وأكثرهم من المستهزئين أو الشامتين أو الحاسدين أو الضاحكين، ومع وجود المتناقضين لحياتهم وتلاشي المصداقية بيننا؛ إن صدّقنا (الحالة) كذبنا الواقع، والعكس صحيح، وفي المقابل أصبحنا نحن الفضوليون اليوم نريد أن نعرف خصوصيات الغير حتى الأشياء التي لا تعنينا، وننشغل بها، ونسأل عن تفاصيل المعروض.

لماذا أصبحنا أو تركنا لأنفسنا بوصلة يَعرِف من خلالها الآخرون ما هو في الحقيقة خصوصية وغموض؟ لماذا أصبحنا نمشي عراة بين الناس ولم نترك لأنفسنا ما نستر به خصوصياتنا .. إن هذه الخاصية البسيطة التي لا تتعدى الثواني من الوقت سَرَقَت منا فضائلنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى