الدكتور/ سـعـدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق – الرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

فن الدبلوماسية .. وإتيكيت الألوان في القرآن الكريم (1)..

نتفاجئ نحن الدبلوماسيون “العرب والمسلمين” بأن أغلب مفاهيم الدبلوماسية والبروتوكول والإتيكيت مستوحاة من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وقد بدأت أوروبا في بداية عصر النهضة بدارسة مستفضية للقرآن الكريم والمدرسة النبوية الشريفة، حيث يتفاخر خبراء البروتوكول والإتيكيت بنشر دراساتهم وتسويقها للعالم؛ والحقيقة هي؛ أن القرآن الكريم قد تطرق إليها قبل أكثر من 1440 سنة.

بدأت المدارس المتخصصة بفن إتيكيت الألوان من كليات وأقسام التصميم الداخلي، وكذلك شركات الأزياء للملابس بمختلف أنواعها بالإعتماد على نظريات الألوان ودلالاتها الموجودة أصلاً في القرآن الكريم، والفروقات في الاستخدامات النهارية والليلية، والمناسبات الرسمية والاجتماعية والشخصية؛ حيث وضعوا سمات الألوان الفواتح بإستخدامها نهاراً معتمدين على الإعجاز الإلهي منذ شروق الشمس الى غيابها؛ بحيث تكون أغلب الألوان من مشتقات البيج والأبيض، وكذلك ألوان الأشجار الأخضر ولون المياه الأزرق بالاضافة الى لون التربة أو الصحراء، عكس ألوان الملابس في الليل وهي الألوان الداكنة ومنه الأسود.

نتطرق اليوم إلى دلالات ومعاني الألوان كما وردت بالقرآن الكريم وأهمها :

اللون الأبيض : تعتمد دور الأزياء الحديثة وفن الإتيكيت الرسمي بأن استخدام اللون الأبيض ومشتقاته يكون نهارياً، وذلك بسبب البُعد الموجي له وما فيه من صفات الهدوء والطمأنيئة والأمل والمحبة والرحابة والسعة؛ حيث ذكر ثاني الألوان بالقرآن ذكر (12 مرة في 12 آية)؛ قال تعالى : ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ آل عمران187۞، وهو دلالة على لون وجوه أهل الجنة، وقال تعالى : ﴿بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾ الصافات 46۞؛ لون شراب أهل الجنة، وكثير من الآيات الكريمة الأخرى التي تشرح أهمية اللون الأبيض ومشتقاته، واستخداماته نهارياً سواء للملابس أو حتى في استعماله بالمنازل أو المكاتب لأنه يعطي مساحات أكبر للعين البشرية.

اللون الأسود : ثالث لون ذكر في القرآن (8 مرات في 7 آيات)، ومن دﻻﻻته : الكراهية والحزن والكرب والهم؛ قال تعالى : ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ النحل58۞، وقال تعالى : ﴿وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ ……﴾ آل عمران106۞، وهو لون وجوه أهل النار، وهناك آيات أخرى تشير إلى المعنى نفسه، وليصبح الليل هو أكثر اللون تشابها من حيث الظلمة والسواد، ولتكون ملابس السهرات بجميع الألوان الداكنة سواء الأسود، الأزرق، الأحمر وغيرها، وكما نعلم في بعض البلدان العربية عند الممات تتشوح الملابس السوداء لعائلة المتوفي، وحتى وسائل الإعلام المرئي تضع الشريط الأسود دلالة على الحزن.

اللون اﻷخضر : رابع لون ذكر في القرآن، وذكر 8 مرات، ودﻻﻻته : الأمل، وبعد النظر، والأناقة، وهو لون الشجر والزرع قال تعالى : ﴿وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ …..﴾ يوسف43۞، وقال تعالى :﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ﴾ الإنسان21۞، وهو لباس أهل الجنة، وقال تعالى : ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ …..﴾ الرحمن76۞، لون أغطية وسائد الجنة، حتى أن المدارس الدبلوماسية تفضل اللون الأخضر الفاتح صباحاً لأنه يبعث على الراحة النفسية وقوة التفكير كما هو لون الطبيعة.

اللون الأصفر : هو أول لون ذكر في القرآن ذكر (5 مرات في 5 آيات)، ومن دﻻﻻته اﻹفساد والدمار : ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا﴾ الروم51 ۞، الفناء واليبوسة : ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا﴾ الحديد20 ۞، وفي السنوات الخمس الأخيرة استبعدت المدارس الدبلوماسية؛ خصوصاً البريطانية؛ الورد الأصفر لما له من دلالة على الأنانية وحب الذات والتسلط، بالإضافة إلى أنه يدل على لون الموت بحيث يتحول لون جسم المتوفي الى لون أصفر، وأجازت استخدام الزهور الصفراء عند الجثامين فقط، كما حصل مع وفاة رئيس الوزراء اليابان اخيراً، حيث نلاحظ الزهور الصفراء والبيضاء حول التابوت، عكس المتعارف عليه سابقاً.

على هذه الأسس والمفاهيم الواردة بالقرآن الكريم، بدأت المدارس المتخصصة، ومنها الدبلوماسية والمهتمة بفن البروتوكول والإتيكيت بتحديد استخدامات وأوقات واختيار الألوان بالنسبة إلى الملابس وحضور المؤتمرات والدعوات الرسمية والاجتماعية بمختلف مسمياتها، ولتكون هي القواعد التي يقتدي بها الجميع؛ فمن غير المعقول ارتداء بدلة بيضاء في الدوام الرسمي الصباحي أو حضور جلسة مفاوضات في مقرات حكومية، وجعلتها فقط في مناسبات الأعراس سواء للرجل أو المرأة، ووضعت الألوان الداكنة بمختلف صنوفها وأنواعها للمناسبات الليلية، وأما الألوان النهارية فهي من مشتقات فواتح الألوان (الأبيض، الأخضر، الأزرق، البني، الوردي، البيج، البصلي، الرصاصي وغيرها).

وفي الختام :
تتفاخر المدارس الدبلوماسية بوضع لمساتها حتى بألوان الأثاث والجدران والتحفيات والستائر للمنازل ومكاتب كبار الشخصيات؛ لكونها تعكس كاريزما الشخص مهما كان منصبه؛ كونه دبلوماسي أو من كبار المسؤولين أو من عامة الناس.