
كلما أبطأت .. أسرعت
ياسمين عبدالمحسن إبراهيم
المدير التنفيذي لشركة رواق الابتكار
مدربة في مجال اكتشاف و تطوير المهارات
مهتمة بمجال تطوير الأعمال
عادة ما يرتبط البطئ بالتأخير وربما أحيانا بالفشل، والسرعة ترتبط بالإنجاز والنجاح، وربما هذا صحيح في الحياة العملية وإنجاز الأعمال، أما في الحياة العاطفية والحياة الاجتماعية وكل ما هو مرتبط بسلوكيات من حولنا فهنا يصبح العكس كليا صحيح.
في العلاقات كلما أبطأت؛ كلما أسرعت، دوما ما نستمع إلى مصطلح جمال البدايات هذا لإن كل الخطوات تأتي سريعة بشكل يخدر العقول، كذلك أزمات النهايات تأتي قاسية مدمرة لإنها تأتي كعاصفة تقضي على الأخضر واليابس في نفوس أطرافها.
ألم يخبرنا أحدهم أن في التأني السلامة، لكننا لم نفهم ما تتضمن تلك الجملة من خبايا في جوفها، التأني ليس في التأخير في الردود، ولا في عدم مشاركة القصص، التأني يبدأ من خطوة طرق الباب، هل كل من يطرق باب بيتك تفتح له الباب على مصرعيه، وأنت بكامل زينتك مرحبا به طوافا في كل زوايا بيتك المصون؟
دوما تأسرنا مظاهر الكلمات ونتداولها دون أن تمس قلوبنا آثارها.
إن كان الفراق جزء لا يتجزأ من طبيعة هذه الدنيا الفانية، لماذا لا نتمعن قليلا قبل قراراتنا بصفة عامة.
لا بأس من الفراق والرحيل والحنين، ولكن كل البأس فيما بعد تلك الخطوات.
بين العيش فيما فاتني وفيما أحاول تجاوزه حياة جميلة تفوتني بكل تفاصيلها اللطيفة.
رغم حتمية الفراق مازال الانسان يتعلق بذكريات طفولية تجعله يخرب حاضره بشكل غير مقصود، فقط لإنه لم ينتبه لخطواته، فقط لإنه لم يلحظ كل العلامات والمؤشرات التي كانت تخبره أن الطريق وعرا للغاية.
مضى ما كان فلنحسن فيما هو قادم.
أبطئ لتسرع، إذا أردت النهاية الطيبة لعلاقة ما، أو بدء جديدة كن بطيئا قدر المستطاع في خطواتك تجاه ما ترنو إليه.
إذا كنت تتألم أو تائه لا تتخذ قرارا لتداويها بالتي كانت هي الداء، حتى لا تصيب جراحك بآلام لا دواء لها.
دع الأمر لله، الاستسلام لله نجاة، الاستسلام لله ليس فقط في المصائب والابتلاءات، الاستسلام لله في يقينك بإنه سيختار لك الخير دوما وأبدا، في قرار مصيري متعلق بعمل، بعلاقة ما، بحياتك الخاصة، أبسط الأمور دعها بيد الله، ولن يضيعك.
خلق الإنسان عجولا، ولكن على الإنسان أن يتعلم من التجارب ويتقن مجاراة الأمور.
إذا أردت كشف إنسان على حقيقته لا تراقبه، لا تبحث عنه، لإنك ستجد ما تبحث عنه، ستجده خيرا إن كان ظنك به خيرا، وستجده شيطانا إن كان ظنك به كذلك، لأن بمنتهى البساطة كلا منا يحوي داخله الخير والشر كاملين بلا نقص، لن تجد حقيقته إلا بعد أن تهدأ تماما وتتوقف عن التفكير الزائد، وتأخذ نفس عميق، ومع الوقت ستكشفه المواقف.
مهما حاولت سترهق نفسك وتستهلك قواك بلا فائدة.
ما كان في الغيب سيبقى إلى أن يشاء الله.
إذا أردت شيئا بقوة اتركه لله واهدأ، فإن كان لك ستأخذه وإن لم يكن لك فلن ولم تأخذه ولو حاربت الدنيا كلها لتحصل عليه.
يقولون أن من سمات النضج والوعي وقوة الشخصية قدرة الإنسان على التجاهل، وأن قمة النضج هي قدرتك على معرفة النفايات العقلية التي يجب ألا تلوث دماغك بها.
ومن أعظم مظاهر الحكمة مستوى قدرة الفرد على الصبر والصمت، الصبر على ما لا يحتمل، والصمت لدرأ المفاسد التي يمكن أن يبوح بها الفرد في لحظة الغضب.
كلما انزعجت عز نفسك وهون عليها، وتنحى جانبا، لا ترهقها بالخوض في تفاصيل مؤلمة، اجعل خطواتك بطيئة باتجاه ما يؤلمك، كتلك اللحظة التي تغمض فيها عينك عندما يحين موعد حقن إبرة بدواء داخل جسدك ليشفى.
وأخيرا وليس آخرا..
إلى الرائع الذي يعيش كل يوم بحب، رغما عن الظروف، رغما عن الهزائم، رغما عن الأحزان التي يحملها في قلبه ويتعايش معها ويتقبلها، إلى الشخص الذي تهب الرياح أحيانا عكس اتجاهه، اسأل الله ألا يخذل لك محاولاتك، ولا يكسر لك حلم، وأن يجبرك جبرا يرضيك ويملئوك بالسلام والراحة.
مقال رائع يحمل الكثير من الحكمة والتأملات العميقة.
أعجبني الربط بين التأني والسلام الداخلي، وبين النضج وقوة الصبر والتجاهل.
وإسمحي لي أن أضيف نقطة تتماشى مع رؤيتكِ: في التأني أيضًا فرصة لرؤية الجمال في التفاصيل الصغيرة، تلك التي قد نفقدها في زحمة السرعة. أحيانًا، خطوة بطيئة تمنحنا منظورًا جديدًا يلهمنا لاتخاذ قرارات أكثر اتزانًا.
شكراً على هذا المقال الذي يثري العقل والروح، وفي انتظار المزيد من إبداعاتك!