
أوزبكستان حلقة مهمة بين الماضي والحاضر في تاريخ الإسلام
الدكتور محمد السيد يوسف لاشين
أستاذ علم النقد الاجتماعي والتفكير الناقد
تعد أوزبكستان من البلدان التي تحتفظ بتاريخ طويل ومتشابك من التأثيرات الإسلامية التي شكلت جزءًا أساسيًا من هويتها الثقافية والدينية.
تقع أوزبكستان في قلب آسيا الوسطى، وكانت خلال العصور الإسلامية مركزًا حضاريًا مهمًا، حيث كانت تعد واحدة من أبرز حلقات التواصل بين الشرق والغرب، ظهر الأثر الإسلامي في أوزبكستان على مر العصور، وترك الإسلام بصماته على مختلف جوانب الحياة في هذه المنطقة، فقد دخل الإسلام إلى أوزبكستان في القرن السابع الميلادي، بعد الفتوحات الإسلامية التي قادها العرب، ومن ثم استمر في الانتشار بسرعة عبر المنطقة.
في البداية؛ تأثر الشعب الأوزبكي بالدعوة الإسلامية من خلال الفتوحات الإسلامية واتساع رقعة الدولة الإسلامية، ثم تبع ذلك تأثير العلماء والدعاة الذين نشروا تعاليم الدين الحنيف في المدن الكبرى مثل بخارى وسمرقند وطشقند، وتعتبر بخارى من أبرز المراكز الدينية والعلمية في العالم الإسلامي، فقد أنجبت العديد من العلماء والمفكرين الذين أثّروا في الفكر الإسلامي على مستوى العالم، مثل الإمام البخاري، الذي جمع وصنّف أحد أهم كتب الحديث في تاريخ الإسلام (صحيح البخاري)، كما أن سمرقند كانت مدينة مزدهرة تحت حكم الخلافة الإسلامية، وشهدت تطورًا كبيرًا في مجال الفلك والرياضيات والطب.
والعمارة الإسلامية من أبرز المظاهر التي ترك الإسلام بصماته من خلالها في أوزبكستان، والمدينة التي كانت يوماً من أبرز العواصم الإسلامية، سمرقند، ما زالت تحتفظ بالكثير من المباني التاريخية التي تمثل روعة الفن المعماري الإسلامي، وتتمثل أبرز معالم العمارة الإسلامية في أوزبكستان في المساجد والمدارس الدينية، مثل مسجد “بخياري” في بخارى، ومدرسة “شير دار” في سمرقند، وتميزت هذه المباني بزخارفها المدهشة، وقبابها الضخمة، وتصميماتها المعمارية الفريدة التي تمزج بين الطابع العربي والفارسي والتركي، كما أن وجود المقابر الملكية في هذه المدن يعكس الروح الإسلامية العميقة التي نشأت في المنطقة.
في العصور الوسطى، أصبحت أوزبكستان مركزًا دينيًا وثقافيًا هامًا، ومع مرور الوقت، أصبحت المدارس الدينية في بخارى وسمرقند مركزًا للتعليم، ليس فقط في الشريعة الإسلامية، بل أيضًا في العديد من العلوم والفنون، فقد تم نقل هذه المعارف إلى أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي، مما جعل أوزبكستان واحدة من أبرز محطات نشر الثقافة الإسلامية.
العديد من علماء الدين والفلاسفة والفقهاء ولدوا في هذه المنطقة، وتركوا أثراً عميقاً في تفسير القرآن والسنة، كما أثروا في تطور الفقه والعلوم الإسلامية، ومن أبرز هؤلاء العلماء الفقيه أبو حنيفة مؤسس المذهب الحنفي الذي يمتلك أتباعا في أجزاء كبيرة من العالم.
إن الإسلام في أوزبكستان لم يكن مجرد دين، بل كان نمط حياة يحدد سلوكيات المجتمع؛ فقد كانت القيم الإسلامية، مثل العدالة، والتكافل الاجتماعي، والمساواة، تشكل أساسا لعدد من المؤسسات الاجتماعية، وكان للمجتمع الأوزبكي روابط قوية مع الزكاة والصدقات، وهي أحد أركان الإسلام التي تشجع على تقديم المساعدة للفقراء والمحتاجين، كما أن الإسلام في أوزبكستان أثر في الحياة اليومية للشعب الأوزبكي من خلال العادات الدينية مثل الصلاة، والصيام في شهر رمضان، وحج البيت الحرام، وتواجدت المساجد بشكل مستمر في قلب المدن الأوزبكية، مما جعل الناس يعتادون على تنظيم حياتهم وفقًا لتعاليم الإسلام.
مع تغير الأزمان، شهدت أوزبكستان تحولًا في علاقتها بالإسلام؛ فخلال الحقبة السوفيتية، تعرضت الأنشطة الدينية إلى العديد من القيود والضغوط من قبل النظام الشيوعي؛ الذي حاول إبعاد الدين عن الحياة العامة؛ إلا أنه بعد الاستقلال في عام 1991، بدأت أوزبكستان في إعادة إحياء التقاليد الإسلامية، حيث أصبحت المساجد والمؤسسات الدينية تلعب دورًا متزايدًا في الحياة الاجتماعية والسياسية.
وعلى الرغم من تحديات العصر الحديث، لا يزال الإسلام يشكل جزءًا كبيرًا من الهوية الوطنية للأوزبكيين، وهو يمثل عنصرًا مركزيًا في الثقافة والمجتمع مع تقدم العصر.
تواصل أوزبكستان سعيها للحفاظ على التوازن بين الحفاظ على تقاليدها الإسلامية العريقة ومواكبة التطورات الحديثة في العالم، ويبقى الأثر الإسلامي في أوزبكستان عميقًا ومتعدد الأوجه، سواء في المجال الثقافي، المعماري، الديني، أو الاجتماعي، لقد ترك الإسلام بصماته التي لا يمكن تجاهلها على هوية الشعب الأوزبكي وأسلوب حياته، وهو مستمر في التأثير على مختلف جوانب المجتمع الأوزبكي حتى اليوم، ومع مرور الزمن، تظل أوزبكستان واحدة من أهم الحلقات التي تربط بين الماضي والحاضر في تاريخ الإسلام.